وعلى ضفاف هذين الواديين وبالقرب منهما قامت حضارات ومدن، ما تزال آثارها شاخصة إلى يومنا هذا، ولأهمية هذه الحضارات وهذه المدن التاريخية، كان كتاب د. نائل حنون «مدن قديمة ومواقع أثرية»، دراسة في الجغرافيا التاريخية للعراق الشمالي خلال العصور الآشورية، الذي صدر عن دار الزمان في دمشق 2009م.
لأبحاث د.نائل حنون أهمية خاصة فهو بالإضافة إلى تخصصه بدراسة اللغات القديمة «السومرية والأكادية»، عمل في البحث والتنقيب الأثري في العراق. حيث جمع بين الدراسة والعمل في التنقيب، وبذلك حصل على الميزتين «العلم والعمل».
الكتاب الذي بين أيدينا يتناول فيه الباحث دراسة المدن الأثرية في العراق الشمالي، هذا الجزء من العراق الذي يضم المنطقتين الجبلية وشبه الجبلية من العراق.
وتحتوي هذه المنطقة على آثار الدولة الآشورية وامتداداتها المباشرة في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، وتمتد المنطقة في سبع محافظات عراقية هي: صلاح الدين نينوى، دهوك، أربيل، السليمانية، كركوك، ديالى، وللعراق الشمالي أهمية خاصة، لأنه احتضن قلب الدولة الآشورية وامتداداتها المباشرة، وتوسط مناطق الحضارات القديمة في العراق الجنوبي وسورية وتركيا وإيران.
ركز الباحث في دراسته على العصرين الآشوريين الوسيط والحديث لسببين رئيسين،لأن هذين العصرين يقدمان معاً أكبر عدد من الوثائق المسمارية التي تتطرق إلى وصف المنطقة، وثانيهما إن العراق الشمالي شهد ازدهار الدولة الآشورية خلال هذين العصرين، هذا يعني تأسيس العديد من المدن الجديدة، أو ضم مدن قديمة إلى السيادة الآشورية، وهذان السببان يكونان ضعيفان في العصر الآشوري القديم لقلة نصوصه ولتركيز اهتمام الآشوريين خلاله على نشاطاتهم التجارية في آسيا الصغرى.
نهر دجلة في العراق الشمالي:
يبلغ مجمل طول نهر دجلة حوالي /1718كم/، يكون ما يقارب /300كم/ منها داخل تركيا، ينبع النهر بالقرب من بحيرة كولكوك، شمال غرب ديار بكر، ويجمع مياه جنوب طوروس ضمن منطقة تمتد شرقاً حتى الحدود الإيرانية، يصل طول وادي نهر دجلة من الحدود العراقية ـ التركية إلى الفتحة، حيث يترك النهر منطقة العراق الشمالي، حوالي /262كم/، ومن الأنهار التي ترفد دجلة في العراق الشمالي. الخابور الصغير، والزاب الأعلى، الزاب الأدنى، العظيم، ديالى.
وعلى نهر دجلة وروافده والوديان المحيطة أقيمت مدن كثيرة منها، آشور، إيسانا نيمر، عشتار ـ وتلّبي ـ برخلزي، بلاطو ورصابيّا.
ويمكن تقسيم مدن المنطقة الأولى وهي مدن غربي نهر دجلة إلى ثلاث مجموعات حسبما قسّمها الباحث في كتابه مدن قديمة ومواقع أثرية، وذلك حسب العصر الذي تعود إليه النصوص التي تورد أسماءها، فهناك المدن التي ذكرت في نصوص العصر الآشوري الوسيط فطوروا المجموعة الثانية» بـ» وهي المدن التي وردت أسماؤها في نصوص كلا العصرين الآشوريين الوسيط والحديث.
والمجموعة الثالثة «ج» تقتصر على المدن المذكورة في نصوص العصر الآشوري الحديث فقط.
نقرأ مع الدكتور نائل حنون عن تاريخ مدينة نينوى، انتقل مركز العاصمة الآشورية إلى نينوى لتكون العاصمة الثالثة بعد مدينتي آشور وكالخ.
كانت نينوى موجودة في عصور ما قبل التاريخ، وقد أصبحت مدينة على درجة من الأهمية منذ بداية الألف الثالث قبل الميلاد، ففي ذلك الوقت قام بعض أمراء الجنوب بترميم أبنية معابد المدينة، وصلت هذه المعلومة عن طريق النقوش الأثرية التي تدل على ذلك.
حظيت مدينة نينوى بعناية ملوك العصر الآشوري الوسيط حتى قبل اتخاذها عاصمة في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، فمن خلال النصوص يتضح لنا أن الملك شلمنصر رسم بعض أجنحة معبد عشتار التي أصابها التصدع على إثر هزة أرضية تعرضت لها المدينة.
استمر اسم نينوى معروفاً ومتداولاً في العصور التي أعقبت سقوط الدولة الآشورية، إذ ورد ذكر اسمها في المصادر العبرانية والكتب التاريخية العربية التي تعود في قدمها إلى القرن التاسع الميلادي.
كان بنيامين التطيلي أول مكتشف عربي يزور موقع المدينة، وذلك في عام 1160م حيث قام بوصف خرائبها وتحديد موقعها بالنسبة لمدينة الموصل.
ابتدأت التنقيبات الآثارية في نينوى على يد يوتا الذي باشر العمل فيها عام 1842م، ثم توالت مواسم التنقيب التي قام بها المنقبون الأوربيون لا يرد «1873 ـ 1851م» رسام «1853 ـ 1854م» لوفتس «1854 ـ 1855م» سمث «1873 ـ 1874م» رسام «1878 ـ 1880م»، بودج «1888 ـ 1891م» وكنغ «1904م». وفي «1929 ـ 1931م» قام كامبل طومبسن بالإشراف على حفر مجس سبر عميق تحت معبد عشتار في تل قوينجق. وأخيراً تولى الآثاريون العراقيون أعمال التنقيب الآثاري والصيانة في نينوى قبل ما يزيد على أربعة عقود من السنين.
لقد عمل الآثاريون العراقيون في العراق الشمالي وسبقتهم البعثات الأجنبية، إلا أنه ما اكتشف من المدن والمواقع الأثرية، يعد غيض من فيض، فالمواقع والمدن الأثرية كثيرة والمكتشف والمنقب منها قليل جداً.
مع كل تنقيب وبحث ودراسة جديدة نتوقع معلومات جديدة عن حضارة بلاد الرافدين، هذه الحضارة العريقة التي يجب أن يتم الحفاظ على آثارها والمواقع الأثرية فيها لأنها ملك للإنسانية، فعلى الخيريين التكاتف والتعاون من أجل الحفاظ على هذه الآثار المهمة من الإهمال والتخريب، فالذي لا يحافظ على ماضيه وثروته العريقة، كيف سيعبر نحو المستقبل والحضارة.
الكتاب: مدن قديمة ومواقع أثرية
الكاتب: د. نائل حنون
الناشر: دار الزمان دمشق