ندعي ان الشعر في ازمة وان المتذوق للشعر لم يعد باستطاعته ان يتابع امسية شعرية فرسانها شعراء حقيقيون, فرسانها مبدعون حقيقيون لا يبدعون صفحات متشابهة, قصائدهم ليست ركاما من الحبر الذي يكاد يطير عن السطور, صدقنا هذا الادعاء ونمنا قريري الاعين نذهب الى حيث يقف شاعر يتحدث عن غربة الروح, وعن مكابداته وهو بعد لم يستطع ان يتجاوز جغرافيا ومعرفيا خط سير باصات الدوار الجنوبي, في هكذا امسيات لا تسأل نفسك : لماذا يفر المستمعون والمتابعون ..
ولكن ان يزدهي الشعر, وان تغرد بلابله في امسية شعرية حقيقية,
شعراؤها لهم تجاربهم الابداعية الحقيقية التي اثرت الشعر العربي واستطاعوا ان يكّونوا ملامح اساسية من المشهد الشعري, ان تنعقد مثل هذه الامسية, وفي احتفالية شاعر كبير هو ( الراحل بدوي الجبل) ولا يقارب عدد الحضور المئة, فهذا امر يدعو للتساؤل, امر علينا ان نقف عنده مطولا, ولنسأل انفسنا: لماذا حدث ذلك هل: لأن الدعاية للامسية لم تكن كما يجب, وهذا امر تتحمله وزارة الثقافة الجهة الراعية للنشاط, فهي لم تحسن الاعلان عن هذه الامسية من جهة, ومن جهة ثانية اختيار المكان لم يكن مناسبا على الاطلاق, فقاعة مكتبة الاسد كانت هي المكان الامثل لهذه النشاطات, والامر الاخر الذي يجب ان نتوقف عنده ونسأل اين زغاليل الشعر الذين يتحفوننا كل يوم بمئة مجموعة شعرية ففي دمشق وحدها اكثر من 300 ثلاث مئة شاعر وشويعر وشويعرة وغير المنتظرين والمنتظرات بواكير الوحي.. بكل اسف هي محنة ذات زائفة, ولنا ان نقول : حضر الشعر والشعراء, وغاب من يبكون الشعر ويطلبون اسعافا سريعا لانقاذ ه..
وقائع الأمسية ..
بدأ الامسية الشاعر العربي الكبير جوزف حرب الذي اتى من لبنان حاملا ثلج صنين وشموخ الأرز واصالة الأنقياء, جوزف حرب الذي عرفناه دائماً وابداً رمحاً عربياً لا ينثني, وعرفناه بلبلاً حزيناً غنى آلام الامة وبشر بغدها, في قصيدته التي هي بحق فاتحة شعرية لأمسية كانت كلها شعراً, صافياً حلق عالياً وغمس ريشته بمداد صاف نقي كأنه الندى الطهور الذي عطر شاعرية البدوي,لم يكن الشعر شعراً وكفى, كان تواصلاً بين ارواح مبدعين, وبين آلام امة, وبين الماضي الذي يبكي فجائعنا, وبين الحرف الذي يكاد ينكرنا..
جوزف حرب خاطب البدوي قائلا:
بدوي هل هذي رقى? أم عودة
أم نحن دير وهي فيه خمور
ضوأت اوراقاً عريقة ليلها
لكأن حبرك في اليراعة نور
الشاعر فاروق شوشة ألقى قصيدة بعنوان (عودة البدوي) قال فيها :
من سابح في فضاء الشعر تياره
يرف في الملأ الأعلى جناحاه
محلق وحده في سربه ابداًً
المفرد الجمع رب الشعر سواه
جبينه الشمس الا انه ذهب
غالى بقيمته والشعر مغناه
وعبر الشاعر عن لهفته لهذه المشاركة في احتفالية الشاعر اذ قال:
من مصر جئت واشواقي تدافعني
عجّل فرب الهوى زمت مطاياه
قد مسني الوتر العذري
فاضطربت خطاي لما سعى قيس ليلاه
وكم كان الشاعر شوشة موفقا حين قال:
من ذاق كرمك يوماً كيف ينساه..?
ومن العراق شارك الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي بكى الامة وحالها كما فعل سابقاه ( حرب وشوشة) وتوقف في قصيدته التي اطلق عليها اسم(يا شادي الأيك )توقف عند عبقرية البدوي قائلا:
اكبرت مغناك ان يذوي كمغنانا
اسرجت في الغيم برق الشعر اجمعه
وحين امطرت ماج الكون الحانا
ملكت انهار كل الارض اشرعة
وقلت للماء: كن يا ماء طوفانا
وجئت بالوحي آيات معطرات
سالت بهن فجن الماء سكرانا
من الاردن الشقيق القى الشاعر حيدر محمود قصيدة اطلق عليها اسم المكابد وأشار الى انه غيّر القصيدة التي كان نظمها للمناسبة وها هي مولودة جديدة تحلُّ محلها:
على من تنادي ايها هذا المكابد..?
ولم يبق في الصحراء غيرك شاهد?
على من تنادي وموسم النخوة انتهى..
الشاعر شوقي بغدادي الذي صدح بقصيدته( بدوي من الجبال) وهي كغيرها من قصائد شعرائنا هم عروبي وانساني وهم ابداعي طفح به حال الشعر والشعراء:
طاب في ظلك الهوى يا نخيل
وسقى في رياضك السلسبيل
قل لمن مر من هنا بدوياً
ان نسيان صوته مستحيل
بدوي من الجبال كأن الصخر
رمل والشامخات سهول
وكأن الصحراء فيه تسامت
فغدا ذروة مداه الجليل..
وكان مسك الختام مع الشاعرة طلعت الرفاعي
كلمة لا بد منها ..
لا شك ان الاحتفاء بأي اديب او مبدع او مفكر هواحتفاء بمبدعي الامة كلها, وهذا امر يجب ان نعيه جميعاً, فاليوم يحتفى بالبدوي وغدا بغيره, ولكن الامر الذي يثير الحزن في النفوس ان ينبري المتحدثون دائماً للحديث عن ظلم وعن اسر لهذا المبدع او ذاك, لنا ان نسألهم: من منعكم ان تقيموا,اية احتفالية..? ومن الذي ألجم ألسنتكم ان تكتبوا عن هذا وذاك, باختصار انه التقصير والمبدعون جزء منه كما وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب, ويحز في النفس ان نذكرهم اننا على صدر هذه الصفحة ومنذ اعوام ونحن نطالب بتكريم مبدعينا وقد عددنا اسماء مبدعين من بينهم بدوي الجبل على سبيل المثال لا الحصر وكنا في كل عام وفي ذكرى رحيله نعد مادة صحفية تتحدث عن الشاعر كما نفعل في ذكريات رحيل غيره ..
الامر ليس أسراً ولا فك اسر, هي رؤية واعية تحققت باقامة هذه الاحتفالية التي تشكر عليها وزارة الثقافة, ومع اننا نهمس في اذن السيدة المكلفة بالاحتفاظ بنسخ القصائد اننا لا نريد منك سرا نوويا او علميا حين طلبنا صورة عن القصائد فكانت ردة فعلك لا تنم عن أي احترام , فما هكذا يكون التواصل في ابسط مبادئه, فكيف بالتواصل الثقافي ..?