تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أندرو باسفيتش والنزعة العسكرية لأميركا

دراسات
الاربعاء 24/8/2005
فشل أميركا في استغلال الفرصة الراهنة, وعجزها عن قيادة العالم وتشكيله سوف يؤدي إلى انهيار النظام العالمي الراهن ...

ثمة منهج من الحيادية اعتمده أستاذ العلاقات الدولية الأميركي أندرو باسفيتش حين كتب حول النزعة العسكرية الأميركية الجديدة The New American Militarism حيث لفت النظر إلى أن أزمة أميركا اليوم وما تتعرض له من تحديات في سياستها الخارجية ليس نتاجاً للمحافظين الجدد, أو اليمين المحافظ وحده, بل تعود في أساسها إلى جوهر الأزمة العامة في النظام الأميركي السياسي تسبب في صنعها اليمين واليسار الأميركيين خلال ما انقضى من العقود الأخيرة.‏

وعبر النظرة الحيادية التي تمتع بها باسفيتش وجدنا أنه قد رأى أن المحافظين الجدد لا يمثلون جيلاَ حضر في الحياة الأميركية بوصول الرئيس دبليو بوش إلى سدة الإدارة الأميركية, بل إنهم في تحليل أستاذ العلاقات الدولية المعني يمثلون جيلين من السياسيين:‏

الجيل الأول تبلور من الستينيات من القرن الماضي, وكانت أفكاره رد فعل على الظروف الدولية, وتحديات أميركا الداخلية..‏

أما الجيل الثاني فقد ظهر في تسعينيات القرن العشرين المنصرم, وجاءت أفكاره معبرة عن ظروف أميركا في عقد المتغيرات الدولية, وانتقال العالم إلى القطب الوحيد.‏

ويلخص باسفيتش فلسفة الجيل الأول بأنها تنطلق من وجود قناعتين لديهما, أولها أن الشر ظاهرة حقيقية, واقعية لا يمكن إنكارها, وثانيها: صعود الشر مرهون بتواني أعدائه عن مقاومته, ومثل هذه الموضوعة كانت السبب عندهم بظهور النازية, وما قادت إليه من شرور, كذلك ينظر هذا الجيل من المحافظين إلى القوة العسكرية وليس الدبلوماسية, أو المجتمع الدولي أنها هي التي تتمكن من إيقاف الشر, وكانت هي التي أوقفت زحف النازية, وهذا يعني من وجهة نظرهم أن القانون الدولي, والمنظمات العالمية, وجهود الحد من التسلح ليست بديلة عن القوة العسكرية في تجليات السياسة الخارجية لأميركا.‏

ثم يرى الجيل الأول المعني أن لأميركا أدواراً تاريخية كقائدة للعالم الحر, وحامية له, وناشرة للديمقراطية والحرية عبر العالم, وعلى أميركا وشعبها أن تتحمل كلفة هذا الدور, ثم ينظر هذا الجيل إلى مشاريع وأهداف خارجية جديدة كي تصوغ أميركا سياستها من خلالها, ويؤمنون بدور القيادة السياسية القادرة على صناعة التاريخ, وعليه فلم يكونوا ليحبوا الرئيس كارتر الذي ركز على الدعوة إلى السلام, والحد من الحروب في العالم, وخطاب ريغان لم ينسجم مع أفعاله عندهم, وأخيراً آمن الجيل الأول من المحافظين بدور السلطات التقليدية, كالآباء والجيش ومؤسسات تنفيذ القانون والأسرة داخل المجتمع الأميركي.‏

وينظر باسفيتش إلى عام 1995 أي مرحلة تبلور المتغيرات الدولية على أنه علامة فارقة بين الجيل الأول من المحافظين والجيل الثاني, فالجيل الأول قد ظهر في أزمة ثقة الأميركيين بسياستهم الخارجية لما حدث في فيتنام, وكان عليه أن يعيد الثقة المفقودة, أما الجيل الثاني فقد ظهر بعد فوز أميركا بالحرب الباردة, لذلك تبنى كيفية استخدام أميركا لقوتها وموقعها الدولي غير المسبوق كقطب العالم الأوحد, كي تشكل العالم وفقاً لرؤيتها.‏

وعليه فقد أصبحت أعمدة الفكر للجيل الثاني من المحافظين الجدد تشير إلى ما يلي:‏

إن سيطرة أميركا على النظام العالمي قوة ما زالت في بدايتها, وينتظرها مستقبل طويل, ويدرك العالم هذه القوة ويريدها, فالعالم من وجهة نظرهم يبحث عن قائد وأميركا هي حتماً هذا القائد, وعليه فسيطرة أميركا على العالم, وعلى النظام العالمي هي مصدر استقراره, وهذا يستدعي عندهم أن يتوحد الغرب تحت القيادة الأميركية لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.‏

ومن الطبيعي أن فشل أميركا في استغلال الفرصة الراهنة, وعجزها عن قيادة العالم وتشكيله سوف يؤدي إلى انهيار النظام العالمي الراهن, والفوضى هي البديل المحتمل لهذا الفشل الأميركي في قيادة العالم, ومن هذه القاعدة تبرز عندهم ضرورة الحفاظ على القوة العسكرية المتفوقة لأميركا, ويعتقدون أن تجميع الأسلحة, والقوات العسكرية ليس بهدف التخزين, ولكن بهدف استخدامها في مشاريع طموحة وحاسمة من أجل صناعة نظام عالمي قائم على السيطرة الأميركية, ويدعم هذه السيطرة, وبهذا تصبح الحرب عندهم أداة لخدمة أهداف كبرى مثالية, والسلام عندهم هو السلام الذي يتبع النصر في المعارك, وهذا ما يصبح على جدولهم ممثلاً لاستراتيجية تقوم على الدعم الكامل لجهود التسليح والتطوير والتحديث للقوة العسكرية الأميركية, واعتبارها الشأن الأهم في العمل الأميركي القومي.‏

ومن الجدير ذكره أن المحافظين الجدد ممثلي الجيل الثاني يرفضون كل سياسة واقعية وكل سياسي كذلك, فنراهم يرفضون هنري كيسنجر, كما يرفضون سياسة التردد والمترددين في استخدام القوة, وعليه فقد رفضوا كولن باول, ويصرون على أن الواقعية والتردد في استخدام القوة يمثلان مرضين خطيرين, ولا يجوز أن تسمح السياسة الأميركية بهما طالما أن القوة العسكرية هي المحقق الوحيد للأهداف الكبرى والمشاريع وصولاً إلى الغايات في النظام العالمي الجديد من وجهة نظرهم, ووفق فلسفتهم المؤسسة على العسكرية وإقحام القوة في السياسة ومعادلاتها ودون الأخذ بعين النظر الحقوق المنصوص عليها, أو الشرائع العالمية, أو أحلام المجتمع الدولي, إن ذلك كله يكون فقط حين يكون بخدمة القطب العالمي الأوحد.‏

ولا ينسى أستاذ العلوم السياسية أندرو باسفيتش أن يشير إلى أن نجاح المحافظين الجدد من وجهة نظرهم الذاتية -كما يقول- يردونه هم إلى تثبيتهم بصمات جديدة على الجدل الأميركي الخاص بسياسة أميركا, ويعود ذلك لنشاطهم الفكري الذي مارسوه ولا يزالون في الإعلام الأميركي, ومراكز البحث (أميركان انتر برايز), يضاف إلى ذلك أنهم استثمروا حوادث الحادي عشر من أيلول ,2001 وتداعياتها على السياسة الأميركية الجديدة, وسعوا كي يأخذوا منها تدعيماً لفلسفتهم بأن العالم يحلم بظهور من يقوده, وهاهي أميركا القوة الأعظم جاهزة لتولي هذا الدور, وطاب لهم أيضاً أن الرئيس دبليو بوش قد تبنى وجهة نظرهم, وصار المدافع عنها وقائدها.‏

وما أصبح مؤكداً -عبر كتاب أندرو باسفيتش- (النزعة العسكرية الأميركية الجديدة) هو أن الكاتب تميز بعرضه الموفق لأفكار المحافظين الجدد في أميركا, ولأسلوبهم السياسي وخطابهم الدولي ومواقفهم, ولا سيما لجهة تحديد هذا الميل الزائد لدى الإدارة الأميركية نحو خطاب القوة العسكرية في ممارسة السياسة العالمية, وما لهذا الخطاب من آثار على تراجع مؤسسات الشرعية الدولية, وتقليل أهمية المجتمع الدولي, والقانون الدولي, ومن الواضح أن هذا النموذج لاستخدام القوة الامبراطورية تساهم فيه مؤسسات متعددة داخل المجتمع الأميركي -باعتباره يعبر عن أزمة نظام من الداخل- كما يساهم فيه مفكرون وقادة عسكريون وسياسيون.‏

وما يبقى جديراً بالقول هو: إلى متى ستبقى أميركا مرشحة لاستخدام القوة العسكرية في سياستها الدولية, وهذه هي استطلاعات الرأي تعطي مؤشراتها على تجاذبات جديدة لدافع الضرائب الأميركي وتقلل شعبية الرئيس بوش الثاني على إثر ذلك كله?!‏

إن المنطقي في السياسة الدولية هو أن يكون لأميركا القرار العادل مع أطراف العالم المتعددة, فالعقل السياسي السوي يعطي الأحكام ذاتها, بالمواقع المختلفة حين تتوافر الشروط والحيثيات ذاتها, أما أن يبقى القرار الأميركي يقترب من البراغماتية الخاصة به, ويستبعد البراغماتية العامة فلابد معه من تراجع بالضرورة لمصداقية هذا القرار, ومن مواصلة الاحتساب على تعددية المعايير الأميركية, ولن يكون لأميركا أي مستقبل في ظل هذا الأسلوب مهما امتلكت من قوة عسكرية وخطاب قوة.الدكتور Fayez_ez@scs-net.org‏

">‏

Fayez_ez@scs-net.org‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية