تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نعمــــة الســــماء....

ثقافة
الخميس 12-11-2009م
محمود شيخ عيسى

هي نعمة السماء ، قال القلب عندما أحسّ بتأثير تلك النبضة التي أمدّته بالحياة، وتنفّس من خلالها نسيم الوجود، وتردّد كثيراً قبل أن يبوح باسمها.

وقبل أن ينتقل إلى مظنّة الجهل وحاشا يا قلب أن أرميك بهذه التهمة يوماً، سأل عن معاني هذه الكلمة.‏

رآها حروفاً ثلاثة، وحاول جاهداً إحصاءها فتبين له أنّ أرقام الحساب مضطربة صامتة فجلس لا يلوي على شيء غير مستسلم لحالة العجز تلك.‏

هي لعبة الحروف إذاً، هكذا شاء له أن يسمّيها في البداية، ثمّ شعر بموجة خجل ترميه على شاطئ الانكفاء على الذات، وانتقل الخجل إلى شعور بالحسرة على ذنب جناه قبل أن يجنيه؛ إنّها أجلُّ من أن توصف بهذا الوصف، وعاد مرّة ثانية إلى دوّامة الاستغراق متأملاً جلال تلك الحروف قبل الخوض في معانيها.‏

من هنا انسدلت غمامة عطر فوّاح يقتحم القلب دون استئذان، وعلى ارتعاشة تلك الوردة البتول ترنّم الصباح الغريق في حقول العافية.‏

تماوج رأد الضحى، وتحت إغفاءة النهر الحاني عرّشت مناديل الحنان، ملوّحة بمواسم لا تنتهي من عطاء متجدد.‏

هي في القلب نبضه، لم أدخل في صراع مع حدود الوصف، وإن عانيت كثيراً قبل حصولي على تأشيرة دخول لاقتحام عوالمها الفسيحة، لكنّ هذا النبض ليس سرّ الحياة فحسب، بل هو الحياة الدنيا، وهو الجنات التي جرت من تحتها الأنهار حتّى قبل جريانها.‏

تشبّثتُ بإصراري على اقتناص تعبير يقارب أفق الحقيقة، وكيف يسلس لي ذلك الأفق قياده، وهو يخشى عليّ من هجوم طاغٍ على شموسه ونجومه، أنهبها أختلسها، ولي الفخر بذلك، وهو يعلم أنّي أصوغه عقداً يتزيّن بجبين الغالية ولا أقول يزيّنه.‏

ومن بعيد لاح الحرف الأوّل، أرأيتَ عطش الأرض إلى تلك الغمامة التي لاحت من بعيد، وعدتْ بالسقيا وأقبلت موكب عطاء ورحمة، فما حال الأرض؟! لا أغالي إذا قلتُ إنها انشغلتْ عن نفسها بظمئها أو انشغلتْ عن ظمئها بنفسها، فهناك تماهٍ وذوبان بين الفرح والدهشة، تغرّب للواقع عن الخيال أو للخيال عن الواقع.‏

إنّه حرف الألف، وهو البدء وفي البدء كانت محبّتك أيتها الغالية المشوقة حتى الثمالة، بدء شلال تفجّر في صحراء عمري على جفافها فيا حدائق الدنيا هلمّي وتعلّمي من صحرائي كيف يصوغ الخصب أبجديته البديعة!.‏

ثمّ تهادى حرف الميم، وكأنه شعر بفرحتي روحاً لأنّ الجسد أصبح روحاً بلقائه، هو حرف ضمّ التضعيف ليكون سروري أضعاف أضعاف ما قاسيتُ في دنياي من صنوف الألم والعذاب، وليكون تكراره محاولة لتركي ذلك الماضي الذي ينوء قلبي الموجع بأثقاله الفادحة.‏

تشكّلت تلك الحروف فتشكّل الكون لأنه كان ينتظر إشارة البدء من ينبوع حنانها، وأحببْ به من ينبوع!.‏

عيناكِ المؤمنتان تسافران في صفحات المصحف الشريف فلا تبخلي عليّ بالدعاء لأظلّ قادراً على اختزان أنغام جدول حنانكِ في خلجات الروح، لتكون تلك الأنغام زادي في وحشة الطريق ووعثاء السفر.‏

سلمتِ يا أمّي يا أنشودة بقائي جبلاً يسخر بالخطوب فتنحني معتذرة له ولا يَخيبُ أمَلُها بالصفح الجميل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية