إلا وكان في سورية تشكيليون ماهرون ولهم بصمة في المشهد التشكيلي العربي والعالمي. كثيرون منهم توصلوا إلى اكتشاف تجارب تخصهم وحدهم، وكثيرون أيضاً وصلوا إلى المحترفات العالمية وكان اسمهم يتردد كثيراً، وبجدارة.
_____________________________________________________
ويعد الفنان التشكيلي صبحي شعيب من الرواد الأوائل في الحركة التشكيلية، ويعد أيضاً من أوائل من عملوا في فن النحت، وتخرجت على يديه نخبة من التشكيليين السوريين.
ولد صبحي شعيب في دمشق عام 1909، وقد تميز باكراً بميوله الفنية، ولفت الأنظار إليه، إذ ساهم، وهو في العشرين من عمره، في نقل الرسوم الأثرية لفسيفساء الجامع الأموي بإشراف الفنان الفرنسي الشهير ديلوريه.
في عام 1929 تخرج من دار المعلمين، وفاز مرتين في مسابقة الإيفاد لدراسة الرسم، بعد تخرجه من الدار. بدأ التعليم في مدارس مدينة السلمية، ومن ثم كلف بتدريس مادة التربية الفنية في ثانويات حمص وحماه عام 1933 ، وهناك كان له فرصة العمل والتعرف على الفنان الفرنسي ميشيليه، وفي عام 1934 تعرف وعمل مع الفنان الإنكليزي يونغ. واستقر أخيراً في حمص، مدرساً لمادة التربية الفنية. وبقي فيها حتى تقاعد عام 1967.
وككل الفنانين الطامحين رغب شعيب بالسفر إلى الخارج لدراسة الفنون، وقد رشح مرتين للإيفاد، إلا أن الظروف لم تسمح له. ومن ثم فقد بدأ المشاركة في المعارض التي كانت تقام في سورية والخارج. وفي عام 1940 شارك في معرض بيروت بالاشتراك مع 80 فناناً من سورية ولبنان. وفي عام 1945 اشترك في معرض في ثانوية جودت الهاشمي بدمشق. وفي عام 1950 اشترك في المعرض الأول للدولة في المتحف الوطني بدمشق، حيث نال الجائزة الأولى. وفي العام الذي يليه شارك في مهرجان الشبيبة في برلين.
كانت هذه السنوات حافلة في تجربته الفنية. وكان الفنان شعيب حينها شغوفاً بالواقعية، ومدركاً تماماً لدور الفن في المجتمع. وقد كانت لوحاته دليلاً لمجتمع.
تتلمذ على يديه، عدد كبير من الفنانين، الذين رفدوا الحركة الفنية خلال أربعين عاماً. فاز بالجائزة الأولى، على لوحته المائية «العودة إلى القرية» في المعرض الرسمي العام الذي أقيم عام 1950 في المتحف.
شارك في معظم المعارض الداخلية والخارجية، وأسس مركز الفنون التشكيلية في «حمص» عام 1962، وسمي عضواَ في المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون.
وفي عام 1969 نال ميدالية ذهبية وبراءة تقدير لدوره التعليمي في مجال الفنون.
الواقعية
وككل فنان، فقد بدأ صبحي شعيب الرسم الواقعي، ولكن واقعيته، تميزت بالأفكار والمضامين التي تحملها، والأهداف التي كان يرمي إليها. كانت واقعية ناقدة ومعبأة بكثير من الألم والأمل. لقد استهدف الناس العاديين، ورصد تفاصيل حياتهم اليومية والبؤس الذي يعيشونه، بحرفية عالية. مرة باستخدام الرمز ومرة أخرى باستخدام التعبير المباشر، كما أنه استخدم الرتش والزخرفة، لأهداف معينة ودقيقة. تعامل مع بيئته بصدق وعفوية هائلة، ولم يلهه الحراك الفني وتعدد المدارس عن التركيز على هدف الفن ووظيفته الأساسية، ألا وهي الإنسان وتحريره من كل قيوده وآلامه.
حتى حين كان يرسم الطبيعة الصامتة، فقد كانت تبدو وكأنها تحمل كثيراً من الرموز والمعاني التي تحتاج إلى من يفسرها.
له بصمات واضحة على جميع مجالات الفنون التشكيلية كالنحت والحفر والتصوير والزخرفة والفنون التطبيقية، واشتغل على جميع الخامات المعروفة تقريباً التي تخص هذه المجالات. واشتهر بأنه أول مثًال في الحركة التشكيلية السورية المعاصرة، فقد نحت مباشرة في الحجر والرخام إلى جانب أعمال كثيرة في الجص. وكذلك فهو أول رسام مصور عمل على المواضيع الوطنية والقومية والسياسية إلى جانب النقد الاجتماعي الذي برع فيه غاية البراعة. لقد كرس الكثير من أعماله ووقته لتعرية الأساليب الصهيونية العدوانية، التي مارسها الكيان الغاصب في أرضنا العربية. وشارك بأعماله في أفراح الاستقلال وآفاق المستقبل بلوحات «طريق الوحدة، نهايه الإقطاع، جيل المستقبل، توزيع سندات التمليك، غلة الحرب، المصير المحتوم». إضافة إلى أن الناس البسطاء قد شكلوا جانباً مهماً من فنه، وقد سخر لهم الكثير من اللوحات الهامة، والفريدة في بساطتها وعمقها على السواء.
نشاطات
عن نشاطات الفنان صبحي شعيب يقول الدكتور الفنان محمود شاهين: «وفي ستينيات القرن العشرين، أسس في حمص مركزاً للفنون التشكيليّة، وعُيّن مديراً له، وتكريماً لجهوده الطيبة في رعاية وتطوير الحركة الفنيّة التشكيليّة في هذه المحافظة، أطلق اسمه على هذا المركز الذي لعب دوراً مهماً ورائداً وما زال، في تنمية المواهب الفنيّة الشابة وصقلها، وتالياً تجهيزها لتأخذ طريقها إلى محترفات كلية الفنون الجميلة في دمشق، وفي العام 1969 أصيب بمرض عضال أقعده في البيت، لكنه رغم ذلك، ظل مواظباً على ممارسة ضروب الفنون التشكيليّة والتطبيقيّة المختلفة، وكان له دوره البارز في تأسيس فرع نقابة الفنون الجميلة في حمص ما بين عامي 1971و1974 والمساهمة بنشاطاته».
في عام 1974 منح براءة تقدير وعرفان من نقابة الفنون الجميلة اعترافاً بفضله، وفي نفس العام توفي الفنان «صبحي شعيب» وأطلق اسمه على مركز الفنون التشكيلية في مدينة حمص؛ حيث أقيم له في هذه المناسبة، معرض خاص ضم كثيراً من أعماله.
المؤسس
مع تشكيله لمركز الفنون التشكيلية في حمص، بدأت الحركة التشكيلية تنهض في هذه المحافظة، وتوسعت دائرتها من خلال هوسه بالفن ومعرفته لدوره في تقدم الشعوب والأمم. ويقول عنه تلميذه عبد القادر عزوز: «من خلال استقراره في حمص استطاع صبحي شعيب أن يكوّن أجيالاً ويؤسس حركة فنية ويكبر وتكبر الدائرة معه من فنانين وهواة وجمهور. وفي أقل من ربع قرن ترسخت أسس هذه الحركة استجابة لطموحه الكبير؛ حيث وجد في هذه المدينة وحيداً إلا من فنه ومعارفه وحبه للناس والحياة، فصورها ورصدها ورسم الطبيعة والناس المكافحين البسطاء كما ساهم في تنشيط الفنانين الشباب، وكم مرة دفع راتبه المتواضع ثمناً لأعمالهم لتشجيعهم ودفعهم إلى المثابرة والعمل، وكان شعيب مدرسة في فنه وتعدد خبراته وحبه للناس وتمجيده للحياة».
لوحاته
تميزت لوحات الفنان صبحي شعيب بتقنية عالية وواقعية مميزة، استهدفت الطبقات الفقيرة على وجه الخصوص، وتناول الطبيعة الغنية في حماه وحمص، وكذلك فقد انغمس في رسم الواقع السياسي والاجتماعي، وكانت لوحاته تعبيراً عن وعيه السياسي وحبه لوطنه وتأثره بالحركات الاجتماعية والسياسية التي تجري في الوطن العربي، وعلى وجه الخصوص انفعل مع القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، وكان له عدد من اللوحات التي تعري همجية الاحتلال.
ومن لوحاته: «الخميس في حماة، نواعير حماة، منظر في الميماس، تلبيسة، جورة الصابون، بنت الآغا، جوكندة صبحي شعيب، الزنبقات الحمر، بدر التمام، الينبوع، لاعبو النرد في حماة». ومن هذه العناوين يتضح لنا ارتباط الفنان بهذه البيئة وحبه لها.
خاتمة
إن فناناً كصبحي شعيب، يجب ألا يهمل في تاريخ الحركة التشكيلية السورية، لما له من فضل على فنانين، ولما له من فضل تأسيسي. وإن هذه الشخصية الفريدة في إنسانيتها وقدرتها الفنية، هي دليل على أن هدف الفن أكبر من أن يكون في لوحة تباع وتشرى وتحصد نقوداً. الفن هنا، عند صبحي شعيب، رسالة وهدف سام من أجل تطوير وتقدم المجتمع.
__________________________________________________
بطاقة
-ولد صبحي شعيب في دمشق عام 1909
-تخرج من معهد إعداد المدرسين في دمشق عام 1929.
-كلف بالتعليم في مدينة السلمية.
-في عام 1933 كلف بتدريس مادة التربية الفنية في ثانويات حمص وحماه.
-في عام 1936 تفرغ لتدريس التربية الفنية في ثانويات حمص.
-في عام 1951 أسس أول مرسم في حمص (التجهيز الثانية) خالد بن الوليد
-في عام 1962 أسس مركز الفنون التشكيلية في حمص.
-أحيل للتقاعد في عام 1967.
-توفيّ أثناء زيارة للولايات المتحدة الأمريكية شتاء 1974
وساهم في معظم معارض الدولة الداخلية والخارجية منذ الخمسينات، منها:
- معرض بيروت بالاشتراك مع 80 فناناً من سورية ولبنان عام 1940.
- معرض في ثانوية جودة الهاشمي عامي 1945- 1946
-المعرض الأول للدولة في المتحف الوطني بدمشق. حيث نال الجائزة الأولى عام 1950
-معرض في مهرجان الشبيبة في برلين عامي 1951 - 1955
-معرض الشبيبة في وارسو 1955
-معرض متجول في مدن الاتحاد السوفيتي1966
-معرض لأعماله بمناسبة تقاعده1967
-معرض شخصي 1969
-المعرض السنوي لنقابة الفنون الجميلة 1971- 1974
نال عدداً من الجوائز:
-فاز بالجائزة الأولى على لوحته المائية (العودة إلى القرية) في المعرض الرسمي العام الذي أقيم في عام 1950 في المتحف الوطني بدمشق.
-ميدالية ذهبية وبراءة تقدير لدوره التعليمي في مجال الفنون عام 1969
-منح براءة تقدير وعرفان من نقابة الفنون الجميلة اعترافاً بفضله 1974.
أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية، المتحف الوطني بدمشق، وضمن مجموعات خاصة.