تعتبر المراجعة إحدى السمات الأبرز (للعقل الديالكتيكي) الذي قام عليه الغرب... وذلك بخلاف حالة التقديس والتصنيم التي تتحكم بالعقل الشرقي، أو الأصح بالعقل العربي الذي يرى في مراجعة (أسسه وأساطيره وأوهامه) عملاً يندرج في إطار التطاول على المقدسات وتكفير من يجرؤ على التفكير في ذلك، مهما تقادمت تلك الأسس والأساطير، ومهما أصبحت درجة تناقضها مع العقل، دون قدرة على التجاوز والتخطي والتجديد وتهوية الأفكار التي غدت مستحاثات في متاحف للفرجة.
يرتبط تقدم العقل والفكر بقدرتنا على نزع الوهم وما يمكن أن نسميه (التنقية الأسطورية) هي ذي الساحة الأهم التي ينبغي على مفكرينا ومثقفينا الخوض فيها، هي ذي الاتجاهات التي ينبغي أن تنطلق بقوة عبر كل المنابر الفكرية والإعلامية والثقافية، ودون ذلك لا ضمانة لإخراج العقل العربي من دائرة التقديس والتصنيم وإدخاله دائرة الانتقاد والمتابعة، والمساءلة.
تترتب على كل مرحلة من مراحل الفكر قيادة الدفة وتوجيه الأشرعة باتجاه الرياح لتندفع إلى الأمام، وليس الانكفاء في خلجان بعيدة عن التيارات والرياح طلباً للإبقاء على ما اعتدنا فيه السلامة والطمأنينة، حتى لو كان ذلك مقابل البقاء على هامش الفكر الإنساني وتطوراته ونقلاته النوعية، خاصة في ظل التسارع غير المتحكم به في التقنيات والمعلومات والاتصالات.
نزع الوهم عن ظلال أو أشباح تحتل مساحة أكبر من حجمها الحقيقي، هي مهمة ملحة لكل من يعمل في حقول الثقافة والإعلام والفلسفة وغير ذلك من اختصاصات على تماس مباشر بحياة الإنسان.