ففي هذا اليوم كانت الأرض العربيّة مصمّمة على إنشاد نشيد العزيمة الصادقة والهمّة العالية والنخوة العرباء، وما إن أطلّ صباح ذلك اليوم الأغرّ المشرق حتى وجدنا الأرض تهتزّ تحت أقدام المحتلّ الإسرائيليّ، إنهم الشباب الغاضبون في سورية ولبنان وفلسطين ومصر، شباب عشق الأرض منذ نعومة أظفاره، وسمع أنينها وهي تشكو جبروت هذا المحتلّ الغاشم وظلمه وخسفه، فكان النداء وقود ثورة عفوية عارمة تفجّرت غضباً لا يبقي ولا يذر، آلى على نفسه الوصول إلى الهدف بعد خوض طريق شاق مليء بالأشواك ليقطف لذة ما بعدها لذة، وهو كما يرى الكثيرون يفوق متعة الوصول إلى الهدف من خلال سلوك طريق خال من الصعاب والأهوال، إنه الهدف الأغلى، الأسمى، الأعزّ, استعادة الأرض السليبة وزرع شجرة الحرية فوق ترابها الغالي..
ولم يكن هذا الشباب المتوهّج حماسة ووطنية يعنى بحال من الأحوال بتلك المشكلات المحتشدة في الطريق، لأنه درّب نفسه على خوض صراع مرير مع هذا العدوّ الغاصب لأنه وضع نصب عينيه هدفاً لن يحيد عنه للانتصار عليه والتفرّغ بعد ذلك لاجتلاء ثمار ذلك النصر.
هذا الشباب كان على يقين راسخ أنّ طريق التحرير لن يكون نزهة ممتعة في الهواء الطلق، بل سيكون طريقاً شاقاً، يستلزم حشد الطاقات والإمكانات والاستفادة من الظروف الداخلية والخارجية، فالعدوّ الذي نواجهه عدوّ يلبس الحقد ثياباً ويضع الغدر وشاحاً، عدوّ يستند على قوى غربية لا تضمر لنا إلاّ الشرّ، وتريد إبقاء هذا الكيان الغاصب خنجراً مسموماً في الخاصرة العربيّة.
كان المشهد فوق الجولان يوحي أنّ هذا الشباب يعي حجم الصعاب المحتشدة في الطريق، ومع ذلك بدأ المسيرة التي يمكن أن نسمّيها بكلّ ثقة واطمئنان مسيرة تحرير الجولان، بل مسيرة تحرير الأرض العربية كلّها بإذن الله.
شباب واعٍ ناضج يفهم قول الشاعر:
تريدين لقيان المعالي رخيصة ولا بدّ دون الشهد من إبر النحلِ
لقد تنبه شبابنا الوثّاب البطل إلى أنّ معركة استعادة الجولان وتحرير الأرض العربية المحتلّة معركة تتطلّب الإعداد العلميّ، لكنّ هذا الإعداد يجب أن يكون مسبوقاً بوجود يقين راسخ بالإيمان بكرامة الأرض، وهذه الكرامة تصان باستعادتها، ونحن على يقين أنّ الوطنية الصافية تجري في عروق كلّ شاب من هؤلاء الرجال الذين رفعنا بهم رؤوسنا عالياً حتّى بلغت عنان السماء.
طريق التحرير القريب بدأ من الجولان لأنّ الجولان كان وسيبقى نشيد الكرامة والإباء، هذا النشيد الذي ردّدته حناجر الأحرار في سورية والوطن العربيّ، وردّده معهم كلّ حرّ يؤمن أنّ ليل الاحتلال إلى زوال، وأنّ الكيان الصهيونيّ المحتلّ سيرحل عن الجولان وعن هذه الأرض العربية الأبية كما رحل أولئك الغزاة الذين لفظتهم الأرض العربية وطواهم التاريخ في صفحات النسيان.
Ferasart72@hotmail.com