في الحادي عشر من أيلول 2001 لم يكن أكثر من عملية دعائية أراد أوباما توظيفها في حملته الانتخابية التي بدأت أملاً في أن يجلس مرة ثانية على كرسي زعامة البيت الأبيض.
ولكن الكثير من المحللين السياسيين بمن فيهم الأميركيون لا يعتقدون بأن مقتل بن لادن لا يشكل أساساً راسخاً للتبجح الأميركي بان موت بن لادن هو نهاية الإرهاب أو العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية إن كان في أفغانستان أو العراق أو غيرهما من البلدان وإذا كان عدد أفراد تنظيم القاعدة في العالم كله لا يصل إلى 150 ألف عنصر فإن هذه الخلايا موزعة على مساحات واسعة جداً من البلدان لدرجة إن كل عدة خلايا تشكل عصابة واحدة منفصلة عن الأخرى مرتبطة بأشخاص موزعين وهم القادة والذين كانوا يتلقون أوامرهم من هؤلاء الأشخاص الملتفين حول قائدهم أسامة بن لادن بوصفه رمزاً لهم.
وليس بالضرورة أن يكون الأمر الناهي في تحديد عملياتهم الميدانية والمسألة التي لا تمنح أوباما المصداقية أن تنظيم القاعدة لا يشكل القوة الضاربة الأساسية في أفغانستان بل أن هذا التنظيم لا يعد المكون الرئيسي للمقاومة في أفغانستان ولا في العراق بل أن القوة الرئيسية التي تؤرق القوات الأميركية هي حركة طالبان والتنظيمات السياسية والعسكرية المنتمية للشعب الأفغاني المناهض للاحتلال الأميركي وبالمناسبة تعتبر حركة طالبان تنظيماً مستقلاً تماماً عن القاعدة ولم تتحرك يوماً بأمر من أسامة بن لادن ولحركة طالبان شعبية واسعة في أفغانستان مثلها مثل الفصائل الأخرى المقاتلة ضد الاحتلال الأميركي وحركة طالبان وبغض النظر عن خلافاتها الايديولوجية وحتى السياسية مع الحركات المقاتلة الأخرى إلا أنها تتمتع باحتضان الشعب الأفغاني التواق للحرية وطرد المحتلين الأميركان وحلفائهم من بلادهم لدرجة أن حركة طالبان تضم في صفوفها مقاتلين ممن كان ينتمي إلى الجيش الوطني الأفغاني في عهد ببراك كارمان الرئيس السابق لحزب الشعب الأفغاني وزعيم النظام الوطني التقدمي الذي تم تصفيته على يد القوى الظلامية المدعومة أميركياً ومن بعينها القاعدة وطالبان في زمن الصراع ضد النظام السابق التقدمي ولكن احتلال أفغانستان وحل الجيش الوطني وتشريد عناصره وضباطه دفع هؤلاء الوطنيين للتحالف مع طالبان لوجود هدف مشترك وهو طرد المحتلين الأجانب واستعادة الاستقلال الوطني للبلاد.
وما تتكبده القوات الأميركية من خسائر فادحة في أفغانستان تكون على يد قوات حركة طالبان والقوى الأخرى التي لم تتفق يوماً مع منظمات القاعدة لذلك أن مقتل بن لادن لن يؤثر أو يغير من ميزان القوى المتصارعة في الساحة الأفغانية وحتى في العراق القوى المناهضة للاحتلال الأميركي لا تشكل منظمات القاعدة قوة مؤثرة على المحتلين الأميركان إذا لم تكن بعض عملياتها التي تستهدف أماكن مدنية تقدم خدمة للمحتلين والضجة الأميركية المفتعلة حول تضخيم دور منظمات القاعدة في العراق أو أفغانستان لها هدف محدد وهو اكتساب ذرائع لارتكاب جرائم ضد الشعبين الأفغاني والعراقي ولابد من الإشارة إلى أن القوى الأساسية للمقاومة العراقية لا يوجد لها علاقات تعاون أو تنسيق مع منظمات القاعدة وانسحاب قسم كبير من القوات الأميركية من العراق كان بفضل المقاومة العراقية وضغط الشعب العراقي الرافض لاحتلال وطنه لذلك من الصعب القول إن القاعدة لها تأثير ملموس وجدي على قرار قوى الاحتلال الأميركي في العراق أو أفغانستان ومن الدوافع التي سرعت باغتيال بن لادن العملية البطولية التي قام بها أحد الطيارين الأفغان في 27 نيسان الماضي والذي قتل فيها تسعة ضباط أميركيين كبار في مطار كابول الذي لاأحد يخطر بباله إمكانية اختراقه وهو أكبر حادث تشهده أميركا في حروبها الاستعمارية خلال القرن الماضي والحالي وأراد أوباما أن يرد على هذه العملية البطولية بعمل مسرحي أكثر منه عملية مفصلية وحاسمة في الحرب الأميركية على ما تسميه الإرهاب أصلاً في رفع معنويات جنوده وشعبه الذي بات يشكك كثيراً بجدوى حروب إدارته في أفغانستان والعراق والخسائر الفادحة على هذه الحروب التي يتكبد جزءاً منها دافعو الضرائب الأميركان.
وربما سيدرك الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية بأن الفرحة بمقتل بن لادن ليست سوى سحابة صيف عابرة ومما لا يوجد له جواب كيف تدعم أميركا وتتحالف مع القاعدة في ليبيا وتدعم القوى المناهضة للقذافي فقط من أجل أن تستمر الحرب هناك إلى حين حلول الوقت المناسب للقضاء على القذافي ومن ثم افتقاد المعارضة الليبية كل ما كانت تحلم به من ديمقراطية بعد أن وجدت نفسها متورطة في المساهمة في استجلاب المحتل الأجنبي الأوروبي والأميركي إلى وطنها الذي لا يمكن أن يشعر بالحرية من خلال فوهة البندقية الأميركية والمفارقة أن القاعدة في ليبيا والمغرب العربي أقوى مما هي عليه في أفغانستان وباكستان والعراق ويصبح مقتل بن لادن عبارة عن مسرحية استغلت لأهداف معنوية وانتخابية أكثر مما هي مساهمة في الحد من الإرهاب الذي تعتبر أميركا بطلته الرئيسية في مختلف أصقاع الأرض.