تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أنبــوبـة الألــوان الفـــارغـــة

رسم بالكلمات
الاثنين 30-5-2011
رمضان إبراهيم

وأخيراً .. وبعد أن أمضى معها بضع سنوات في علاقته العادية, استطاع أن يستحوذ على ثقتها شبه المطلقة .. هكذا كان يتخيّل، هكذا كان يحلم كلما عاد إلى منزله بعد أن يجرجر الليل هلوساته على المدينة ويغرقها بالحمى والنعاس!

يقف قليلاً أمام الباب، يستمع إلى الصمت الذي يكتم الأنفاس داخل منزله, ويحلم بأن يلتهمه الضجيج, وغالباً، ما كان يقرع الجرس وينتظر أن تفتح له الباب.. لكن ذلك لم يتحقق.‏

وحيداً إلاّ من أحلامه وأوهامه وهذيانه.. يوقظ السرير، ثم لا يلبث أن يذوب تحت عباءته. كانتْ هي بالمقابل، قد وصلتْ إلى ما يشبه القناعة به فأعطته بعض ما تملك من أسرار عن علاقتها بصديقها الذي ينفصل تدريجياً عن جدار اللوحات التي رسمتها وحنطتها على الجدار في غرفتها.. تلك الغرفة التي تستخدمها عادة للرسم .‏

نادراً ما كان يزورها في النهار لأنها إمّا نائمة أو خارج المنزل, ولم يسمح لنفسه بأن يسألها عن الأماكن التي تقصدها في أوقات فراغها بل اكتفى بإخبارها أنه شاهدها في إحدى النهارات قرب النهر تجلو ماءه بقدميها.‏

ذات نهار فكّر أن يزورها .. قرع الجرس لأكثر من مرّة, لكنها لم تفتح الباب, فعلم أنها قد تكون قرب النهر .. قرر أن يقصد ذلك المكان ليراقبها دون أن تراه . لكنه لم يعثر عليها هناك . أما هي فقد اكتفتْ بمراقبة ارتباكه أمام الباب ثمّ انسحابه كالظل عبر بضع درجات كانت تفصل منزلها عن الشارع ومن خلف الستارة شاهدتْ كم كان مضطرباً وهو يعدو مبتعداً!‏

عندما فشل في إيجادها عاد إلى منزله بعد أن عرّج على مكتبةٍ في نهاية الشارع المؤدي لمنزله وحصل على بعض الكتب عن الرسم وتاريخ الفن التشكيلي وأهم من رسموا واستعملوا الألوان .‏

نادراً ما كانا يتحدثان عن أمور خاصة, بل كان يكتفي بما تشرحه وعمّا تعنيه اللوحات المرسومة . فيما كانت تنتظر منه أن يتخلّص من خجله ويطلب منها ما كانت تتمناه.‏

في الطريق إلى منزله كان يعاتب نفسه على الخجل الذي يستوطنه، لا بل لقد وصف ذلك بالجبن والخوف, ودائماً كان يتساءل عن سرّ ذلك الخوف والخجل, فكل ما في المكان يوحي أنها لن تعارض طلبه. ولماذا تعارض!؟ سأل نفسه بكثير من الدهشة وأضاف بصوتٍ كانت الغرفة الصدئة تردّده :‏

غداً سأطلب منها ذلك.. لن أخاف أو أخجل، ثمّ.. أنا أعرف أن هناك بعض الشباب قد طلبوا منها ذلك ولم تتردّد بالموافقة وحصل ذلك بالفعل.. ثمّ، سأدفع لها أكثر مما دفعوا، سأعطيها زيادة على ما تطلب.‏

استغربتْ اهتمامه الجديد بالألوان واللوحات المرسومة وكانتْ تتوقع مبادرته بين المساء والآخر .. لكن في معظم الأحيان كان ينصرفُ بعد أن يكاد ينطق .. كانت عيناه تفضح ذلك! اصطحب معه العديد من الكرّاسات والصور وأخبرها بلغة العارف عن تاريخ الرسم وعن أهم من حوّلوا الأوراق البيضاء إلى أجداث لبعض الوجوه الحيّة التي لا تحتاج إلاّ للنطق, لكنه بالرغم من ذلك لم يطلب منها.‏

قرّرتْ في ذات ليلٍ هادئٍ، أن لاتأخذ منه أيّ مقابل مادي فيما لو امتلك ناصية الجرأة وطلب ذلك، بل وأكثر، لقد قرّرتْ أن تكون هي صاحبة المبادرة، ستطلب منه ذلك ولن تتقاضى أي ثمن .‏

كادتِ الصدمة تفقده عقله عندما كان ماراً بالقرب من منزلها وسمعها تناديه، تخيّل أنه يحلم، لكنه عندما شاهدها على الشرفة تأكد. كانتِ الساعة حوالي السابعة مساءً.. شدّته من قميصه وأسرعتْ به إلى غرفتها، طلبتْ منه الانتظار قليلاً ريثما ترتدي اللباس المناسب لما سيقومان به .. لم يكن يصدّق عينيه عندما استبدلتْ ملابسها وعادتْ إليه وهي تحمل معها مزّاجة الألوان وفرشاتها الناعمة التي تستخدمها كلما حاولتْ أن ترسم شخصاً ما!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية