وعلينا أن نتذكر أننا لسنا في موضع الدفاع عن النفس، ولسنا متهمين كنظام ودولة ومجتمع، ووعي هذه النقطة لابد أن يطلق موجات متضامنة من المعالجة السياسية والفكرية أساسها أن مفهوم الإصلاح المطروح تحول إلى مفهوم التحولات، لأنه في حالات كثيرة لاتجدي مسألة ترميم ماهوقائم بل لابد من بناء وتبني ماهو أساسي يتصل ببنية الدولة والمجتمع وأساليب وهيكليات النظام السياسي نفسه، ثم لابد أن نلاحظ بأن هذه المسألة تنتمي إلى مستوى إعادة النظر وليس إلى مجرد النقد والتقويم، وفكرة إعادة النظر جذرية فيها الشمول والعمق ومن خصائصها الشجاعة والقدرة على التحرك إلى الأمام لأن إعادة النظر تتناول الأسس والجذور كما تتناول الظواهر والمظاهر، بينما تبقى عملية النقد واقعة بين حدين تلامس الواقع من جهة وتتطلع إلى خطوات إضافية من جهة أخرى .
إن الصورة والقيمة معاً في مواكبة الحدث القائم في سورية يجب أن تدفع فينا مواصفات فكرية وتعبيرية أربع، أولها أن الحدث هو حالة وطنية مادام الأمر يتصل بقطاعات كبرى من الشعب، وثانيها أن الحدث حالة إيجابية والخطر في هذه الحالة قادم من الاستهداف الخارجي ومعه الاستجابات المحدودة في الداخل وثالثها أن الحدث الراهن هو تفاعل لحظات الانكشاف والاستحقاق التاريخية أي أن هذا الذي يحدث ليس تهمة لأحد وليست الاستجابة لدوافعه ضعفاً للنظام السياسي أوإملاء عليه، علينا أن نتداخل هنا بعقل مشتعل وقلب سليم مع القاعدة الواحدة الموحدة، فالنظام السياسي والجماهير في موقع واحد عبر هذا الحدث وفي الموقع الآخر كل أولئك الذين يتطلعون إلى قطع سلسلة المواقف السورية الوطنية والقومية وتغيير معالم ومضامين الإرادة الوطنية لهذا البلد بماينسجم مع الأفكار والطموحات الصهيونية والغربية، ويستثمر في ذلك الحال الذاتي لسورية والذي خالطته بنسب متفاوتة إرادات وقوى ومواقع الضعف والترهل والفساد المر وإحداث الفجوة الكبرى بين النظام السياسي بكليته والشارع السوري بمن فيه من البناة والفقراء والطيبين والذين يشكلون بمجموعهم أداة الوطن وسياجه بالملمات ورابع هذه المواصفات هو أن الفرز الذي يجب أن يجري الآن لابد أن يكون مابين مجموع الشعب وفي مقدمته النظام السياسي وتلك القوى المتناثرة والفاسدة من الأثرياء والمستبدين والمرتبطين بالمشروع الخارجي ومن الذين أرادوا للوطن أن يكون موقع فتنة وموئل عداء بين قوى المجتمع التي تضم الكتل الحية والبانية والأمنية بموقفها وسلوكها على مدى التاريخ وهذا يعني أن نلتقط هذه الخلاصة شديدة الدقة والتي تقول ليس غريباً مايحدث في سورية ولكن الغرباء والغريب هم الذين أرادوا تحويل الحدث إلى فتنة أساسها الحقد والكراهية واستنهاض عوامل لاوجود لها في الوحدة الوطنية ولافي مسيرة البلد التاريخية، وفي التطيبق والاستجابة لمايجري سوف يكون وعي هذه النقطة قائماً من خلال الخيارات والقنوات المطروحة، حيث البعض منها فكري سياسي، والبعض الآخر شعبي اجتماعي، والبعض الثالث مسلكي تطبيقي وفي هذا المنحى لابد من التأكيد على المحاور الثلاثة التالية:
1- إن المعادل لطبيعة وطننا التي لايختلف اثنان على وحدتها وقوتها وحضارتها وحيويتها، هذا المعادل يؤكد على أن نسق الخيارات المطلوبة هو في التحولات وليس بمجرد الإصلاحات المتناثرة وهذا مايعني التعمق بلاتردد في الحدود القانونية والتشريعية وهيكلية النظام السياسي والتنظيمات الاجتماعية، والتحولات لاتنقد ماكان فحسب بل تتخطاه إلى نسق من التأسيس وإعادة إنتاج الموقف السياسي والاجتماعي بشروط قصوى من الفاعلية والانتشار، والتحولات لاتقف عند حدود المظهر والشكل وإنما تتكرس باعتبارها عملية بنائية نوعية يترافق معها منهج إعادة إنتاج النظام السياسي والاجتماعي بالمنطلقات الثابتة من جهة والمضافة كقوة حية من جهة أخرى.
2-إن الحالة تبدو مزدوجة في بناء التحولات المطلوبة الآن، معالجة للوضع الناشئ الآن برغم مافي هذا الوضع من انفعالات وإطلاق معايير خارج نطاق الهدف المشترك للجميع ومعروف أن الحقد والحكم المسبق والنظرة الجاهزة والعداء المطلق كل ذلك لايؤسس لحل أولبدء بعملية تنفيذ الإصلاحات والتحولات، ولذلك لابد من السرعة القصوى في معالجة الحالة العاطفية في الشارع وفي ذات اللحظة والسياق لابد من تأصيل حالة البدء في التحولات المطروحة بحيث لاتظهر أي فجوة بين التشخيص والمعالجة المطلوبة، والهدف من ذلك كله هو تلبية حاجات الجماهير بطريقة مقنعة واستنهاض النماذج والنخب القادرة على التحرك في نسق التحولات بطريقة سليمة وبأداء متقدم متزايد.
3- وفي الاتجاه الثالث ولربما المحور الثالث فإن مسألة اللجان الاسمية المقترحة لحمل أمانة إعادة النظر وبناء قواعد ومنطلقات التغيير وتأسيس التحولات على قواعد أخلاقيات وطموحات الرئيس بشار الأسد هذه المسألة خطيرة للغاية وهي المعيار في مصداقية كل مايصدر عن النظام السياسي الآن ولاتسلم هذه المهمة في اللجان إلا لمن توفرت فيه شروط الانتماء الوطني الواضح والنظافة السياسية والأخلاقية المشرقة والمقدرة على استيعاب ماهو جار واستخلاص الدرس والعبرة منه بشجاعة ونزعة اقتحامية وكذلك في توفر شرط الخبرة التي تعضدها الذاكرة الحية لهذه اللجان والرصيد العملي في المسيرة الوطنية، إن مسألة اللجان هذه هي الأخطر في كل مايجري الآن في بلدنا سورية والخشية قائمة من أن تتسلل البيروقراطية ودعاتها ورموزها إلى تشكيل اللجان والخوف قائم من أن يختار المسؤول اللجان على قده ومن أتباعه بدلاً من التفاعل مع المسألة على أنها أمانة وطنية كبرى في زمن وطني صعب مركب ومعقد ذلك هو موضع الرهان وتلك هي المؤشرات التي لايحق لأحد تجاهلها أو القفز من فوقها.