ما شكل حدثا مؤلما ومفاجئا بالنسبة للعرب الذين كانوا يتطلعون إلى تحرير أراضيهم التي تم اغتصابها عام 1948 وصنع واقعا مريرا وثقيلا أيقظ الوجدان العربي ونبه الشعور القومي إلى الخطر الداهم على العرب من المحيط إلى الخليج ليعكس تحركا باتجاهات عدة لإزالة آثار العدوان وتعزيز حالة الصمود.
وأشارت سانا أنه في الخامس من حزيران عام 1967 قد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً عدوانيةً غاشمةً استهدفت بشكل مفاجئ ومباغت ثلاث دول عربية هي سورية ومصر والأردن وما تبقى من أراضي فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث هاجمت طائراته المطارات المصرية والسورية ودمرت الطائرات الموجودة فيها بالتوازي مع عدوان بري واسع على شبه جزيرة سيناء وعلى جبهتي الجولان وغور الأردن باستخدام أسلوب الحرب الخاطفة والأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم وغيرها ومستفيدة من الضربة الجوية التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية والبريطانية اللتان كانتا متمركزتين بقاعدتي هويلز والعدم بليبيا للمطارات المصرية والتي كان من أهم نتائجها تحييد سلاح الجو المصري الذي كان بإمكانه تقديم الدعم والغطاء الجوى للقوات المصرية أثناء العمليات العسكرية.
وأضافت في بيانها أنه بعد ستة أيام من المعارك المتواصلة تخللتها مجموعة اتصالات واجتماعات دولية تم وقف إطلاق النار في العاشر من حزيران بعد أن احتلت إسرائيل مساحات كبيرة من الأراضي العربية بلغت أكثر من أربعة أضعاف ما احتلته إبان نكبة عام 1948 وبعد مجموعة اتصالات إقليمية ودولية ومناقشات دارت في غرف منظمة الأمم المتحدة حول هذا العدوان الإسرائيلي صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 تشرين الثاني 1967 والذي تضمن وفق مجلس الأمن ما وصفه بمبادئ حل سلمي من بينها انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها إلى خطوط الرابع من حزيران إلا إن إسرائيل رفضت تنفيذ القرار كما فعلت مع كل قرارات الأمم المتحدة.
وقد استخدم كيان الاحتلال الإسرائيلي عنصر المفاجأة والحرب النفسية والإعلامية لتصوير عدوانه على أنه هزيمة للأجيال العربية لشل قدراتها وإرادتها على القتال واستعادة الأرض المغتصبة مستفيدا طبعا من الدعم الهائل الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على شكل مساعدات عسكرية شملت أحدث أنواع الأسلحة وخاصة في المجال الجوي إضافة إلى المساعدات الاقتصادية والتقنية ومستفيدا أيضا من غياب الخطط العسكرية الحربية على مستوى القيادة العربية الموحدة.
ولقد تركت نكسة حزيران بما أفرزته من نتائج عسكرية وسياسية في حينها آثارا سلبية فادحة ومفجعة على مستوى نفسية الأمة العربية وعقليتها التي كانت تعيش أوج مجدها ومدها القومي وذروة آمالها العريضة بقرب اللحظة الموعودة التي يتم فيها تحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني لكن الإرادة العربية استطاعت أن تستيقظ من الصدمة رغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها القوات العربية وأن تتحرك سريعاً وتعيد بناء وتنظيم قدراتها وإمكاناتها من أجل رفع مستوى القدرة القتالية بفضل دعم بعض الدول الصديقة وتجاوز الخلل الواضح والخطير في توازن القوى بين الأقطار العربية مجتمعة مع كيان العدو كما ازداد العرب إصراراً وتصميماً على مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة من خلال التحضير لحرب تحرير للأراضي العربية ومن هذا المنطلق عملت سورية على إعادة بناء جيشها لتصبح قادرة على صد أي عدوان خارجي والتعامل مع الأزمات الطارئة.
وهذا التحضير والعمل الدؤوب الذي تم على الجبهتين السورية والمصرية مهد ليوم السادس من تشرين الأول عام 1973 حين انتزع العرب لأول مرة زمام المبادرة وانتقلوا بنجاحٍ من حالة الدفاع إلى الهجوم ردا على الاعتداءات الاسرائيلية معتمدين على عنصر المفاجأة حيث سطر الجيشان العربي السوري والمصري بدعم عربي صفحات مشرقة مهدت لأول انتصار عربي على إسرائيل كان من نتائجه الأولى تحرير بعض الأراضي المحتلة وتحطيم أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر والتي حاولت إسرائيل غرسها في أذهان الشعب العربي كما أعادت ثقة العرب بقدرتهم على تحقيق النصر إن اتحدوا.
ولقد أثبتت السنون التي تلت النكسة أن نهج المقاومة والممانعة هو الأقدر على تحرير الأرض العربية المحتلة وما شهده إحياء ذكرى النكبة هذا العام في عين التينة ومجدل شمس بالجولان المحتل ومارون الراس جنوب لبنان ومعبر قلنديا في القدس المحتلة وفي الضفة الغربية ومعبر بيت حانون في قطاع غزة من حالة نهوض عربي مؤمن بأن إرادة الحق لابد أن تنتصر على جبروت القوة يؤكد أن الشباب العربي المنتمي إلى جيل العودة والتحرير وخاصة من السوريين والفلسطينيين متمسكون بهذا النهج المقاوم ومصممون على تحرير أرضهم التي احتلها الكيان المجرم والعودة إلى قراهم ومنازلهم التي هجروا منها.
إن يوم الخامس عشر من أيار الماضي وما شهده من تحد لأسلاك الاحتلال الشائكة وحقول ألغامه ورصاصه الحي بصدور عارية والوصول إلى ساحة مجدل شمس هو رسالة واضحة لإسرائيل ومن يقف وراءها أن تقادم الزمن لا يغير في معادلة الإصرار على تحرير الأرض والعودة إلى الديار وأن شباب العودة حذفوا النسيان من قاموس مفرداتهم إلى غير رجعة وأن دماء من استشهدوا منهم ستكون زيتا يشعل قناديل العودة إلى الجولان وفلسطين ويسقط كل مشاريع التصفية والتوطين وفرض الاستسلام مهما كانت ممارسات الاحتلال ووسائل تخويفه التي حاول زرعها في نفوس العرب منذ احتلال فلسطين.