تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سيلين في عيون ابنته كوليت

عن الفيغارو
ثقافة
الأثنين 6-6-2011م
ترجمة: مها محفوض محمد

مع مرور الذكرى الخمسين لوفاة الروائي المقاوم لويس فيرناند سيلين يصادف رحيل ابنته الوحيدة كوليت ديستوش في التاسع من أيار الماضي عن عمر ناهز التسعين عاما.

كوليت التي كانت مشروع أديبة أطفال سارت على خطا والدها دون أن تجاريه على صعيد الكتابة الروائية, غير أنها إلى جانب قصص الأطفال تناولت كتابة المذكرات و من أهم ما كتبت مذكراتها عن أبيها التي تنشر اليوم لأول مرة بعد أن كانت قد أملتها شفهيا عام 2001.‏

وتعتبر تلك المذكرات شهادات حية لسيرة أكثر الروائيين دراسة و نقدا ويأتي كتاب المذكرات هذا بعنوان «من سيلين إلى اخر» تتحدث فيه الكاتبة أيضا عن علاقتها بأبيها وعن الحياة المشتركة والمعاناة، وكوليت ديستوش ابنة لويس فيرناند سيلين والدتها ايديت فوليه كانت أشهر رسامة في عصرها وهي الزوجة الثانية للأديب.‏

وتنطلق كوليت في مذكراتها هذه من سن الثانية عشرة حين كانت تعيش مع والدها في استديو صغير في احدى شوارع باريس حيث دون رائعته الشهيرة «رحلة الى أقاصي الليل».‏

كما تقدم في تلك السيرة تفاصيل عن أسلوب عمل سيلين و كيف كان يصنع نصه و يسجل ملاحظته على جدار المنزل الصغير، على أوراق جدرانه حين تتراءى له الأفكار ومن ثم يجمع تلك الملاحظات و يدونها على دفتره...‏

وتثير كوليت في تلك المذكرات (الذكريات) بساطة وتواضع والدها ثم كتاباته التي كانت تخيفها، فقد كان الوالد مخيفا لابنته أحيانا بلباسه خاصة بمعطفه ذي الألوان المعتمة، أما الوالدة فكانت امرأة تقية مطيعة تعشق زوجها سيلين و تكن له الاعجاب و الطاعة على غرار الجدة.‏

كتبت كوليت هذه المذكرات و هي في سن السبعين اذ لم تنس كيف كان والدها ينكب على الكتابة ليلا وهو جالس أمام مكتبه في تلك الغرفة التي كانت عبارة عن مكتب و غرفة نوم في آن معا و لم يكن من السهل على الطفلة أن تنام في غرفة مضاءة طوال اليل حيث كان الوالد يسألها «أما زلت مستيقظة يا صغيرتي ؟»، لكنها تتظاهر بالنوم كي لا تزعج والدها الذي كان يتكلم بمفرده بصوت عال و ينهض عن مكتبه ليسير و يخاطب شخصيات روايته.‏

تقول كوليت: كنت أرى شخصيات الرواية تسير أمامي و كم تمنيت الموت لتلك الشخصيات لأنها كثيرا ماجعلت ليلي طويلا.‏

«الحياة أشبه بمستشفى أكثر مما هي مهرجان»...‏

 هذا ما كان يردده والدي ،  وبعد أن بلغت سن السادسة عشرة اصبت بخيبة أمل عاطفية حيث هرب خطيبي من الارتباط بي لأنني ابنة سيلين وحين توجهت الى والدي و كلي أمل بأن أجد السلوى و العزاء لديه حاول أن يعالج الموضوع بإقناعي أن أبقى عزباء و لأن فكرة زواجي لم تكن تروقه يوما، وكان يسعى لإقناعي دائما أن الرجال لايكتفون بزوجة واحدة و أن الطبيعة تفرض ذلك و بهذه المناسبة كان يقص علي مغامراته العاطفية.‏

و تضيف الأديبة حين ظهرت روايته «موت بالتقسيط» اهتزت أسرتنا لأن الرواية كانت تعتبر صورة كاريكاتورية عن أم وضعت ثقتها بابنها حتى الموت، و يومها قال لي والدي: عليك يا حبيبتي أن تحولي دون قراءة جدتك لهذه الرواية لأنها ليست رواية واقعية و قد لا تستطيع جدتك أن تميز بين الأمرين، اما عمي لويس فقد استاء حين قرأ الرواية و أطلق شتائمه ضد والدي.‏

والى جانب كتاب المذكرات هذا وبمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل سيلين تدفقت الى واجهة المكتبات خلال شهر أيار الماضي عدة مؤلفات عن سيلين مثل «طفولة عند سيلين» كتبته احدى تلميذاته و تدعى ماروشكا وفيه الكثير من انطباعاتها عن هذا الروائي الكبير, أيضا مجموعة بعنوان «أليكسي سالاتكو» وفيها حكايات عن الأصدقاء الذين كانوا يزورون سيلين في المراحل الأخيرة من حياته في منزله البارد في مودون حيث كان يعيش مع قططه والببغاء وأوراق سجل عليها سخطه على هذا العالم.‏

من الكتب الصادرة عنه أيضا بهذه المناسبة كتاب «مراسلات سيلين» التي عمل على جمعها و تدقيقها المؤرخ و الناقد هنري غودار وأصدرتها دار غاليمار وفيها يضيء غودار ليس فقط على شخصية سيلين انما أيضا على الروائع التي خلفها ويتوقف غودار عند نزعة سيلين المناهضة للسامية و مواقفه من الحرب العالمية الأولى.‏

أيضا من طفولة الكاتب وصولا الى زواجه وحصوله على جائزة رينودو ثم هروبه الى ألمانيا ثم تعرضه للسجن في الدانمارك و عودته أخيرا الى فرنسا ووفاته عام 1961.‏

ويبقى سيلين كما كتب: «النفس لايمكن أن تكون متقدة إلا من خلال غموضها».‏

وهو الغموض الذي تميزت به كتابات ستاندال وبروست و فلوبير و جعلتهم خالدين بما يكتنف فكرهم من أسرار و بحث عن المجهول.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية