تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أدونيس أديباً عالمياً

ثقافة
الأثنين 6-6-2011م
ممدوح السكاف

-1-

ظلت حركة الحداثة الشعرية تدور في حلقة الجيلين الأول والثاني جيل نازك والسياب وسواهما من شعراء طريقتهما وجيل عبد الصبور وحجازي وغيرهما من شعراء مذهبهما دوراناً مستمراً مكروراً طوال أكثر من عشر سنوات‏

حتى ظن المشفقون على مسار التجديد الشعري أنه آخذ بالزوال والانحسار بسبب دخول كثير من الشعراء الأدعياء إلى حرمه أو حلبته, لأن معظم من سار على خطا الجيلين السابقين من الأتباع لم يستطيعوا أن يطوروا تجربتهم الشعرية أو يجددوا وسائلهم الإيصالية وطغت على غالبية قصائدهم مسحة من التكرار والتسطح والخطابية والتقريرية ولغة الشعارات السياسية الممجوجة وخاصة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات إلى أن جاد أدونيس بقوة حضوره وشدة تأثيره, فأخرج القصيدة الحديثة من مأزقها وغسلها بمياهه البكر وأعاد تشكيلها مجدداً معتمداً على تراثية تحديثية ممزوجة بمؤثرات غربية متأتية من تجارب الشعر العالمي الكوني طامحاً هو ومن شاركه وواكبه في هذا التيار المستحدث إلى تحقيق نقلة نوعية في بنية قصيدة الحداثة العربية ولغتها من خلال منجزاته المعروفة للنقاد في هذا المضمار.‏

-2-‏

وقد يكون من المناسب أن نذكر في هذا المقام أن الناقد يوسف سامي اليوسف وفي دراسة مهمة له عن (أثر التراث على الشعر العربي المعاصر) منشورة في كتاب صادر عام 1988 عن تونس عنوانه (في قضايا الشعر العربي المعاصر: شهادات ودراسات) يتوقف عند مسألة الحداثة هذه فيرى «أن الشاعر العربي المحدث لا يملك منظوراً محدداً لماتعنيه كلمة الحداثة بكامل غناها «ثم يتساءل قائلاً» هل يعقل أن تنشأ وترتقي حداثة شعرية بمعزل عن حداثة (أو تحديث) المجمل الاجتماعي والثقافي عامة؟ «ويستطرد في بيانه فيقرر» أن الشاعر العربي المعاصر لم يفهم الحداثة إلا بوصفها الصورة الشعرية ويضع اللوم في هذا الجانب على «أدونيس» في مختاراته التي قدمها في (ديوان الشعر العربي) وفي شعره أيضاً هو بالذات ويتهمه - بعد اعترافه بأنه «أكثر حداثة من أي شاعر عربي معاصر آخر» بأنه لم يثقف الحداثة وأن شعره في شبابه كان أقرب إلى التراث منه إلى الحداثة وبقيت لغته في هذه المرحلة العمرية «موسومة بطبيعة لغة الغزل العذري والموشحات وشعر سعيد عقل بل بدوي الجبل وعمر أبو ريشة والأخطل وبهذا برهن أدونيس على أن خياله قد ظل خيالاً آسيوياً وأنه ظل محكوماً بماضيه حتى حين يغادره وينهي (اليوسف) مطالعته بهذا الصدد طارحاً السؤال التالي: هل حقاً تختلف ماهية الخيال الأساسية في الشعر (العربي) المعاصر عما هي عليه في الشعر الموروث.‏

لكن التمعن الموضوعي في كتب أدونيس الثقافية وخاصة كتابه (زمن الشعر) الصادر عن دار العودة- بيروت 1978 وكتابه (فاتحة لبدايات القرن) الصادر عن الدار نفسها- عام 1980 يضع القارئ في لجة تفكير هذا الشاعر الباحث في قضية الحداثة وفذلكته لها سواء أكانت حداثة علمية أم حداثة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أم حداثة فنية، وهي في حقيقتها رؤيا جديدة وفي جوهرها رؤيا تساؤل واحتجاج:‏

تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد فلحظة الحداثة لديه هي لحظة التوتر أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في المجتمع والبنى التغيرية.‏

-3-‏

يتراءى لي أنه من المفيد الإشارة في هذا السياق إلى أن الشعر الأوروبي المحدث ولاسيما شعر (بودلير ورامبو ومالا رميه) يتأسس على (الرؤيوي والجوهري والدرامي), أي على الرمز المركب ويستعين بالأساطير لإيصال دلالاته ومدلولاته إلى الطرف المتلقي, بينما يبني الشعر العربي المعاصر المستحدث (شعر التفعيلة) على «الشكلاني والبراني والسردي» أي على الصورة الشعرية أو المخيلة الشعرية كوسيلة أساسية لصنع العمل الشعري وقد يكون من جملة معاني هذه المقارنة وضع (الرؤيا) أمام (الرؤية) في النظر إلى الحداثة الغربية والحداثة العربية وما بينهما من اختلاف وافتراق ولابد من الإشارة هنا إلى أن أدونيس في كتابه (ها أنت أيها الوقت الصادر) عام 1993 يجادل ويحاور صديق دربه وروحه الراحل يوسف الخال فيما عرضه من مقولات وآراء ونظريات حول الحداثة في الشعر عامة وفي الشعر العربي تحديداً.‏

أحياناً يوافقه على بعض أطروحاته بهذا الصدد وأحياناً يخالفه فيها وسنحاول في مقالة لاحقة التوقف عند هذا الكتاب وعلى الأخص رسالة أدونيس إلى يوسف الخال المثبتة في آخره ونورد تعليقات لنقاد وشعراء معروفين في إبداع أدونيس شاعراً وتنظيره النقدي دارساً.‏

-4-‏

كان أدونيس قد قدم محاضرة في ندوة (قضايا الشعر العربي المعاصر) المنعقدة في تونس عام 1988 عنوانها (في الشعرية) عقّب عليها الناقد الكبير الراحل محمود أمين العالم بقوله:‏

(ما أحب أن أضيف إلى ما قاله أدونيس، فأدونيس لاشك أن قيمته كبيرة ناقداً وشاعراً ومنظراً للشعر.‏

وهذه من الظواهر النادرة في الثقافة العامة لا العربية فقط بل الأوروبية.‏

لعلنا نجد بعض الشخصيات التي تتميز بعمق وإبداعية تعبيرية في الشعر كإليوت ومالرميه وغيرهما ولكنها في نفس الوقت تقدم بالفعل نظرية أو تقديماً نظرياً للشعر.‏

وتتلاقى رؤيتهم النظرية بإبداعيتهم تلاقياً خلاقاً.‏

ولعلي أتساءل: هل الشعر يحد من وجهة نظرهم أو من نظريتهم أو أن تمسكهم من وجهة نظر معينة بنظرية تحد أحياناً من انطلاقهم الشعري؟‏

على أي حال هي ميزة من الميزات التي تتوافر لدى قلة من الشعراء في العالم ومنهم أدونيس الذي يقف مخلصاً لمنهج شعري هو من أرفع الإبداعات الشعرية العربية المعاصرة مهما اختلفنا أو اتفقنا حول هذه القيمة أو تلك أو هذه الدلالة أو تلك.‏

وقيمته أيضاً رفيعة من حيث الفكر النظري الذي قد نختلف أو نتفق فيه في هذه المنطقة أو تلك ولكن هناك إخلاصاً في التعبير عن خبرة وفي تنظير هذه الخبرة في تآلف وتجانس لاشك فيهما).‏

m.alskaf@msn.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية