بل ان الأسرة بجميع أفرادها تستنفر وتجند الجهود والطاقات النفسية استعدادا لمواجهة هذا الموسم الذي يرتكز على ظاهرة نفسية هي الذاكرة والتذكر لدى الطلاب وما يقابلها من عملية عكسية هي النسيان.. « الذاكرة والنسيان في أيام الامتحان »كانت محور لقائنا بالدكتور فايز الحاج أستاذ الصحة النفسية في جامعة دمشق.
الدكتور الحاج أشار في بداية حديثه إلى أن الذاكرة هي القدرة على الاحتفاظ أو مايسمى أحياناً بتثبيت الخبرات بصورة كاملة أو جزئية ويطلق لفظ الذاكرة على القوة التي تدرك بقاء ماضي الكائن الحي في حاضره، كما أن وظيفة الذاكرة هي الحفظ والتذكر وهي ضد النسيان، مبينا أن النسيان يعني عدم القدرة على الاحتفاظ أو التثبيت "كاملا أو جزئيا" أو تلاشي واضمحلال الخبرات.
وأضاف الحاج أن الذاكرة عند الإنسان تقسم بحسب زمن حدوث الخبرة، فهناك ما يسمى بالذاكرة القريبة المدى وهي الذاكرة التي يستدعي صاحبها الخبرة التي اكتسبها بعد حدوثها بوقت قريب أي القدرة على استرجاع معلومات مطلوبة على وجه السرعة ولو مضى على حدوثها زمن بعيد، أما النوع الثاني من الذاكرة فهي الذاكرة البعيدة المدى وهي التي يستدعي صاحبها الخبرة أو المعلومات المطلوبة التي تعلمها أو اكتسبها بعد مضي زمن بعيد أشهر أو سنة فأكثر،مضيفا أن هناك من يقسم الذاكرة البشرية من حيث الشعور إلى قسمين الذاكرة الإرادية وهي الذاكرة المقيدة التي تتطلب الاستدعاء أو الاسترجاع فيها حسب الطلب وهي ذاكرة مقيدة كما هو الحال بالنسبة للطالب أثناء الامتحان حيث يقيد الطالب بسؤال محدد يتطلب الاستدعاء والاسترجاع والإجابة،والذاكرة اللاإرادية حيث يستدعي صاحبها وبشكل لاشعوري وغير إرادي بعض المعلومات أو المعارف أو الخبرات السابقة على شكل تداع غير مقيد أو تداع حر.
دور المثير..
وأوضح الحاج أن أهم العوامل أو المرتكزات الأساسية لعملية التذكر أو الاستدعاء هي دور المثير.
وأضاف الحاج أن أهم العوامل في عملية التذكر ما يسمى بالعرفان الذي يعتبر أسهل من الاستدعاء وهذا هو السبب في أن الامتحانات الحديثة كامتحان تكميل الجمل والاختيار من متعدد وغير ذلك أسهل بكثير من الامتحانات التقليدية أو مايسمى بالإنشائية التي تتناول المواد نفسها، وبهذا يكون أمام الطالب في الامتحانات الحديثة كل المعطيات فليس عليه أن يستدعيها و إنما تنحصر مهمته في التفريق "التمييز" بين ماهو مألوف، لديه وبين ماهو غير مألوف وأيضا هناك من العوامل في عملية التذكر دور عملية التسميع من أجل تثبيت المعلومات والاحتفاظ بها حيث برهنت التجارب العلمية أن أحسن أنواع التعلم والاكتساب والاحتفاظ بالخبرات إنما تحدث حين نخرج القراءة بمقدار من التسميع، كما بينت الدراسات والبحوث التجريبية انه في حالة المواد التي لامعنى لها يكون من الأنسب تخصيص 80% تقريبا من الوقت للتسميع أما في حالة حفظ تراجم الحياة فيجب ان يكون مقدار التسميع متراوحا بين 40 - 70% لذلك يجب على الطلاب مزج قراءتهم بشيء من التسميع الشفهي أو الكتابي إذا أرادوا احتفاظا مناسبا.
قلة الراحة تسبب النسيان..
وقال الحاج إن كثيراً من الناس تنسى الكثير من الأمور الحياتية دون ان تدري ما السبب؟ ومرد ذلك إلى أن الإثارة العصبية الناتجة عن خبرتنا تضعف مع تقدم الزمن وهذا لايعني ان مرور الزمن سبب للنسيان لأن مايسبب النسيان أيضا هو الفاعليات التي تحدث أثناء الفاصل الزمني والتي تضعف آثار الخبرات السابقة والمحفوظة فتسبب النسيان، حيث أثبتت التجارب العلمية أن التوقف عن الفاعلية نسبيا بعد الحصول على الخبرات يقلل النسيان عادة ومن الأمور التي تساعد على النسيان أيضا عدم الاحتفاظ حيث إن قلة النوم والراحة تساعدان على النسيان وان النوم ينتهي عادة بتثبيت فاعليات يقظته وان التثبيت للخبرات والمعلومات يكون احسن حين نعقبه بفترات من الراحة، كما إن تثبيت المعلومات يزداد بازدياد الفواصل الزمنية لليقظة.
وذكر الحاج أن الطلاب بشكل عام بما في ذلك طلبة الجامعات عادة ما يتعلمون المادة على أساس حفظ المحاضرات والدروس لفظا كما هي، حيث إن الطالب يتذكر ماحفظه على ورقة الاجابة ثم مصيرها الى النسيان والتلاشي ولكن الذي لاينسى أبداً هو محاولة فهم الطالب للقواعد العامة والمبادئ الأساسية في العلم،فإذا أراد الطالب ان يثبت المادة العلمية في ذهنه فما عليه إلا ان يحاول دائما الربط بين النقاط المشابهة أو المتعلق بعضها ببعض لاكتشاف القواعد العامة في العلم وفهم المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها، مضيفا انه من الأخطاء الشائعة ان الطالب عادة يترك دروسه حتى الجزء الأخير من العام الدراسي حيث تتراكم عليه الدروس والمواد مع اختلافها وتنوعها فيحاول خلال فترة قصيرة ملء ذهنه بمختلف المعلومات والمعارف من المواد الدراسية، الأمر الذي يجعل هذه المعلومات تتزاحم مع بعضها بشكل لا تدع له الفرصة لتمثلها وهضمها واستيعابها، ولقد أوضحت الدراسات التجريبية أن الفرد عندما يقرأ مادة معينة ويستوعبها ثم يحاول قراءة مادة أخرى تليها مباشرة، فإن المادة الأولى تكون عرضة للنسيان نظرا لأن المادة الثانية تضعفها وهذا مايسمى بعملية الكف الرجعي ولذلك على الطالب عندما يقرأ مادة معينة ألا يحاول مذاكرة مادة أخرى وراءها مباشرة بل يدع الفرصة لهذه المادة ان تتثبت في الذاكرة وذلك بممارسة نشاط مختلف هو الراحة التامة، ما يساعد على تثبيت المادة الأولى .
المنبهات تضعف الاستيعاب..
وأوضح الحاج أن كثيرا من الطلاب يفرطون في تعاطي المنبهات كالقهوة والشاي في الجزء الأخير من العام الدراسي بقصد تنبيه أذهانهم اعتقادا منهم ان هذه المنبهات تساعد على المذاكرة ودوام التيقظ، حتى ان بعض الطلاب يصل بهم الامر الى تعاطي عقاقير منبهة تؤدي الى نوع من الاجهاد في الجهاز العصبي الذي يؤدي بالتالي الى ضعف الاستيعاب،مضيفا انه ينبغي على الطالب ان يمارس نشاطه في هذه الفترة بصورة طبيعية فلا يتعاطى من هذه المواد ماهو أكثر من المعدل العادي.
وأضاف الحاج أن استخدام الملخصات من الوسائل المهمة التي تساعد الطالب على تذكر المادة العلمية ولذلك على الطالب عندما ينتهي من قراءة موضوع ما متكامل ويفهمه ان يقوم بعمل ملخص لهذا الموضوع في عدة نقاط تشتمل على أهم العناصر الأساسية في هذا الموضوع على ان يعود الى هذا الملخص من حين لآخر فيساعده على تذكر ماسبق له قراءته في الحافظة وأيضا أن يقوم بعملية التسميع لنفسه كلما انتهى من جزء تم حفظه.
وختم الحاج بالقول: إنه من الحقائق النفسية التي أصبحت ثابتة الآن في علم النفس ان القلق والتوتر يعوقان الحالة الفكرية للإنسان وتجعله عاجزا عن التمثيل الصحيح للمادة العلمية وربما كان ذلك احد الأسباب التي تجعل الطلاب يشكون كثيرا خلال فترة الامتحان لأنهم لا يستوعبون المادة, فالعقل لا يستطيع تمثل مادة وحفظها إلا إذا كان في حالة من الراحة النفسية بعيدا عن ظروف التوتر والقلق ومن ثم على الطالب ان يسعى قدر الإمكان ان يبعد عن نفسه كل ما من شانه أن يفجر فيه مشاعر التوتر والقلق حتى يستطيع تمثل واستيعاب ما يقرأ.