فعندما تبث أفلاماً عالمية السم في الدسم وتُظهِر العربي بمظهر الإرهابي والجندي الأميركي بمظهر حامي الحمى العادل القوي القادر ، وعندما تُقلب الحقائق في الصراع العربي الإسرائيلي فيتحول الصهيوني إلى ضحية ويظهر بأنه يحاول الدفاع عن نفسه مبرراً استخدام حتى الأسلحة المحظورة وقتل الأطفال .. عندما .. وعندما .. ذلك كله يدفعنا لتفهّم أبعاد وجوده على أرض الواقع لأنه نتاج آلة إعلامية ضخمة تصوغ الحقائق التي تريد وتفبرك الأفلام التي تخدم ما تريد ، فاعتدنا أن نرى أفلاماً سينمائية تُسخَّر لها الإمكانيات المالية والتقنية والبصرية والإبهارية لتترجم في أحد أوجهها توجهاً سياسياً يسعى لفرض أفكار ومفاهيم معينة في عقول المشاهدين من حول العالم لأن السينما واحدة من أهم الأسلحة اليوم .
والأمثلة التي تعكس هذا الواقع كثيرة جداً ، فهناك أفلام يجد من يشاهدها ويمعن فيما تقدمه من أفكار أنها تشوه صورة العربي ورغم ذلك تعرض على محطات عربية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فيلم (The hard corps) الذي مرر صانعوه مشهداً للبطل (الجندي الأميركي) وهو في العراق يحارب إرهابيين يرتدون الملابس العربية ويحاول منعهم من تفجير مدرسة أطفال ، وهذا الحدث الذي أخذ زمناً قصيراً من الفيلم كان كفيلاً بخلق أو تعميق أفكار معينة هي الهدف الأساسي من إنتاجه .
ولكن ما يدفع المرء للعودة والحديث عن هذا الموضوع ويجعل تلك الصورة تطفو على السطح مجدداً بعض الأخبار التي تُمعن في فجورها ، فعلى سبيل المثال عندما نسمع أن مهرجانا بمكانة مهرجان (كان) طرد المخرج الدنمركي لارس فون تراير بحجة معاداته للسامية بسبب كلام قاله مازحاً لم يشفع له تراجعه عنه وقوبل بعبارة (شخص غير مرغوب فيه) ، وعندما نعرف أن المخرج السوري جود سعيد استُبعد هو وفيلمه (مرة أخرى) عن المشاركة في تظاهرة (شاشات سينما عربية جديدة) في فرنسا بعد أن تمت دعوته إليها بسبب مواقفه التي لم تتوافق مع مواقفهم هناك ، وعندما نعرف أن جائزة أوسكار عام 2010 كانت سياسية بامتياز فبعد أن رشح لها بقوة فيلم (avatar) الذي تحدث عن الجندي الأميركي وكيف يحاول بث الدمار في بيئة آمنة وأرض ليست بأرضه ، هذا الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية كلها على شباك التذاكر وحقق أعلى عائدات لفيلم في التاريخ .. فجأة يتسرب الأوسكار من بين يديه ليحط بين يدي فيلم (The Hurt Locker) الذي نال ست جوائز أوسكار وهو يتناول الحرب على العراق ويمجد تضحيات الجندي الأميركي في مواجهة العربي الإرهابي (!!..) .
بعد أن نعرف ذلك كله أليس الأجدر أن نقول إن هناك حربا مبطنة من خلال السينما ، هي حرب أفكار ومفاهيم ومواقف وتشويه للحقائق ؟.. إذاً دخلت السينما الحرب فعلاً ولعبت دور (الخادم) للسياسة ، ولدى العودة إلى الوراء قليلاً نجد أن الصهاينة عرفوا قيمتها ومدى تأثيرها ونجحوا في تجييرها لخدمة مصالحهم وترويج مفاهيمهم حول العالم والتأثير في الرأي العام العالمي ، لا بل إن اليد الصهيونية واضحة في هوليود منذ البدايات كما أن أهم شركات إنتاجية عبر تاريخ هوليود إما تعود ملكيتها ليهود أو مدعومة من قبل رؤوس أموال يهودية وإسرائيلية ، وبالتالي فأخطر ما في هذه الحرب أنها تغسل العقول وتهيّئ لأرضية خصبة يتم فيها زرع ما يشاؤون لا بل إنهم يوهمون العالم أن (اسرائيل) جنة الديمقراطية وسط مستنقع من التخلف العربي ، وبالتالي تخلق أرضية لدعم شعبي غربي للسياسات الغربية المؤيدة لها .. وبعد ذلك كله .. أليست حرباً أشد فتكاً من أي حرب أخرى !؟..
في مقابل الدور الذي تمارسه الكثير من الأفلام في عملية التوظيف لخدمة السياسة يبرز في العديد من الأفلام العربية الدور الوطني والنضالي الذي يستنهض الهمم ويعري الحقائق، ولعل السينما السورية هي من أكثر السينمات العربية التي ركزت على هذا الجانب لتبرز دوراً آخر يمكن أن يؤديه الفن السابع وهو الدور التنويري الذي يتناول القضايا المصيرية للشعب والوطن فتكون مشعل نور ، وحتى إن عدنا إلى بدايات السينما السورية ومن خلال إنتاجاتها في القطاعين العام والخاص نجد أن هناك نقاط علاّم حفرت في الذاكرة في ميدان الفيلم الروائي وميدان الفيلم التسجيلي والفيلم الوثائقي ، والنتيجة سينما ترصد تطور الوعي الوطني وتطرح الهموم الكُبرى من خلال رؤى وأفكار ومواقف سعى العديد منها إلى استقراء المستقبل فيما يقدم ، والتأكيد على الهوية والانتماء انطلاقاً من الإيمان بأن السينما فعل إبداعي يستثير العقل فجاء الفيلم السوري فيلما بعيدا عن الاستسهال والسطحية، عمد للولوج إلى عمق القضايا التي تمس حياة المواطن العربي عموماً والسوري خصوصاً ليكون أداة توعية تثير الأسئلة وتحرض الفكر .