تسعين يوما إضافية مع إشراك مروحياته المتطورة بالقصف في مهمة تعتبر بنظر الكثير من الخبراء العسكريين تدخلا بريا مباشرا في الصراع، وهي مهمة أبعد ما تكون عن قرار مجلس الأمن الذي وفر الغطاء لهذا التدخل وما يتسبب به من قتل وتدمير على مساحة الأراضي الليبية ..!
فالقرار رقم 1973 نص على إقامة منطقة حظر للطيران، لكنه سرعان ما تحول بيد المتعطشين للنفط الليبي إلى عمليات قصف شبه يومية لأهداف مدنية وعسكرية أظهرت الوقائع أنها لم توفر المدنيين الأبرياء بمن فيهم الأطفال، وهذا ما فضح النيات العدوانية لدول الحلف ذات الماضي الاستعماري وأشار إلى طبيعة المهمة القذرة التي تضطلع بها بعض الدول الغربية في هذه المرحلة من التحولات التي تشهدها منطقتنا.
وبمقارنة بسيطة بين ما يحدث في ليبيا وأفغانستان اليوم نجد أن الحلف وعلى مدى نحو عشر سنوات من تدخله في أفغانستان لم يستطع سوى تلطيخ سمعته بلائحة طويلة من المجازر المتكررة بحق شعب مسكين لا ناقة له ولا جمل بالحرب الأميركية على ما يسمى الإرهاب، دون أن ترتسم في الأفق أي نهاية منطقية لهذه الحرب المجنونة التي حولت أفغانستان إلى واحة خراب أميركية تعيدنا بالذاكرة إلى حرب فيتنام البشعة.
أما مجريات الأمور على الأرض الليبية فتؤكد أن الناتو مصمم على تكرار أخطائه وحماقاته وهو مستعد للغوص أكثر فأكثر في هذا المستنقع، وبطبيعة الحال يعلم قادة الحلف أن مدة 90 يوما لن تكفيه لإنجاز المهمة التي يدعي أنه جاء لأجلها، في ضوء عجزه عن استتباب (الأمن والاستقرار ) في أفغانستان رغم زجه بنحو 150 ألف جندي في الحرب، أو تشكيل حكومة قادرة على حمل بعض المسؤوليات الأمنية التي تمكنه من سحب جنوده المنهكين تحت ضربات طالبان.
ولكن هل يستطيع الحلف تحمل التكلفة المفترضة لتدخله في ليبيا، مبدئيا لم يكد يمضي سوى شهرين ونصف على العمليات العسكرية حتى بدا الإعياء والتعب واضحا على الولايات المتحدة، حيث ظهر الانقسام جليا على نواب الكونغرس الأميركي حول مشاركة بلادهم في الحرب وهناك من يطالب بمساءلة أوباما عن سبب المشاركة وعن المصلحة فيها، فهل يستطيع ساركوزي وشركاؤه الأوروبيون الصمود أكثر من أوباما وبالتالي تحمل تبعات مجازرهم في ليبيا بينما ترزح بلدانهم تحت أزمات اقتصادية خانقة تؤجج مشاعر شعوبهم غضبا واحتجاجا، أم إن النفط الليبي سيتمكن من حل هذه المعضلات، وبالتالي إخراج هؤلاء الزعماء المأزومين من مآزقهم..أم إنهم سيتجرعون مرارة الهزيمة في أول استحقاق انتخابي قادم كما حدث مع برلسكوني في انتخابات ميلانو معقل إمبراطوريته المالية والإعلامية؟!