تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما تعاندكَ الظروف..هل تستسلم لليأس

شباب
6 /6 /2011
غانم محمد

قد يكون من الموجع حقاً أن تضيع فترة الألق عند شبابنا بالبحث عن فرصة عمل وبالسعي من أجل تأمين شقّة متواضعة لبناء عشّ الزوجية فيها في الوقت

الذي يجب استثمار هذه المرحلة الغنية من عمرهم بالعطاء الذي يكون مضاعفاً فيما لو دخلوا ميادين العمل دون عناء أو طول انتظار ودون شرود في مسائل تقلل من مردودهم بالعمل..نعرف أن الحالة هذه ليست مقتصرة على شبابنا، وأن الدوّامة التي يدورون فيها ليست من صنعهم لوحدهم بل هناك ظروف اجتماعية ومؤسساتية وحكومية تلتقي كلّها عند هذه النقطة لتستنزف الكثير من طاقات شبابنا دون فائدة كبيرة..بين المنطق والعاطفة‏‏

لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدخل في تفاصيل حياة كل فرد بمفرده، وكل ما تستطيعه هي أن تضع ضوابط معينة للحياة والعمل فيها وكلما نجحت بالالتزام بهذه‏

الضوابط كلما زاد رقيّ هذه الدولة واقتربت أكثر فأكثر من تحقيق مقومات العدالة فيها، فالدولة تحرص على تعليم أبنائها وعلى سلامتهم الصحية وعلى توفير فرص العمل..الخ لكنها لا تستطيع أن تصل إلى فرد ما قرر العيش منعزلاً وبعيداً عن الاستفادة من الخدمة الصحية على سبيل المثال ولا تستطيع أن تقرأ وتقدّم الامتحانات بالنيابة عمّن يدبّ الكسل فيهم...الخ‏‏

الدولة – أي دولة – لا يمكنها أن توجد أي حالة مطلقة، أي لا تستطيع أن تعلّم كل أبنائها ويقتصر واجبها على توفير فرص التعلّم لهم وهذا متوفر لدينا، ولا تستطيع أن توظّف كلّ من علّمتهم ومع هذا تستمر بالبحث عن فرص عمل لهم...‏‏

عندما نأتي على مثل هذا الكلام نلام ونُتهم بالدفاع عن الدولة لأننا موظفون فيها ولكن بشيء من العقل يمكن تفهّم مثل هذه الطروح مع تأكيدنا على ضرورة السعي لتجاوزها..‏‏

من فرص العمل التي تحدثها إلى المشاريع الصغيرة التي تموّلها، إلى المرأة الريفية التي تدعمها، إلى الاستثمارات التي تشجعها، إلى المساعدات التي توفرها، وغير ذلك من محاولات الاستيعاب كل ذلك يدخل في حديث المنطق وهو أمر واقع، لكن عندما نستعرض بعض الحالات الخاصة تفرض العاطفة حضورها فنتعاطف مع أصحابها وهاكم بعض الأمثلة عنها..‏‏

قصّة كفاح وسوء طالع!‏‏

(.. أنا المواطنة ج ع س من محافظة طرطوس يتيمة الأبوين منذ الصغر نشأتُ وترعرعت في كنف جدتي العجوز المريضة والعاجزة في أحيان كثيرة عن شراء غذائها ودوائها.. لقد عانيتُ مرارة العيش وقسوته نتيجة ظلم زوجة أبي لي، ونتيجة ذلك الظلم حُرمتُ من طفولتي وشعرت بالقهر والبؤس منذ الصغر وحتى الآن ورغم ذلك حاولت مقاومة كل هذه الظروف التي مررت ولا أزال أمرّ بها واقتنعتُ بأن الدراسة هي أملي الوحيد والمنقذ الحقيقي واستطعت بفضل الله الحصول على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي عام 1994 لكن الوضع المادي المتردي حال بيني وبين إكمال تحصيلي الجامعي لكن بتشجيع جدتي والاتكال على الله اتبعتُ عدة دورات علمية منها دورات بالحاسوب بقسميه المبتدئ والمتقدم كما اتبعت دورات وحصلت على شهادات باللغة الإنكليزية وحلمي الوحيد في هذه الحياة أن أصبح معلمة ومن هذا المنطلق درّستُ في رياض الأطفال التجريبية في عدة قرى في محافظة طرطوس وعلّمتُ بالوكالة في محافظة حلب ولدي خدمة (619) يوماً ولم أقطع أملي بالتثبيت يوماً لكن لسوء حظي صدر العام الماضي (2010) مرسوم خاص بتثبيت الوكلاء الذين هم من أبناء المحافظات الشرقية الأصليين ولم يشملني ذلك القرار وأنا مسجلة بمكتب التشغيل في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل منذ 24/3/2001 وواظبتُ على مراجعتها باستمرار وفي عام 2006 تلقيت البشرى بأن الفرصة أصبحت قريبة وأن رقمي أصبح (11) وحتى الآن وكلما أراجعهم يقولون لي لا يطلبون شهادات ثانوية وأنا بأمس الحاجة لعمل يستر حياتي لأنه لا معيل لي في هذه الحياة..)‏‏

لم تنته (ج ع س) من شكواها إلا بآه مختنقة وخوف من الآتي متسائلة متى ستأتي الفرصة وهل أجازى على اجتهادي بهذا الحظّ القليل؟‏‏

لن أضيف أي شيء على ما ذكرته بنفسها لأن مفرداتها قادرة على لفت الانتباه لها ولمثيلاتها اللواتي اجتهدن ومن حقهن على المجتمع أن يقدر اجتهادهن من أجل تحفيز غيرهن..‏‏

حالة أخرى‏‏

(م م م) لم يترك باباً إلا وطرقه كما قال، ولكن بلا (واسطة) لا أحد يستطيع أن يحصل على أي شيء، وقال: نحبّ بلدنا كثيراً لكن هناك من يسيء إليها بتصرفاته التي تفقدنا الثقة بمؤسسات الدولة ونشعر في بعض الأحيان أننا غرباء عنها، لذلك نتمنى أن تكون التوجهات الجديدة للحكومة صادقة وأن يقف المسؤول على مسافة واحدة من جميع المواطنين وأن تكون فرص العمل متاحة للجميع...‏‏

(م م م) قال: أتابع كل ما يصدر عن الحكومة والجهات الأخرى من قرارات ومراسيم وأمنّي النفس بالخير وإن شاء الله تتحول هذه الشعارات إلى مفردات عمل في بلدنا يلتزم بها الجميع وأن يحضر مبدأ المحاسبة على الجميع كي تستقيم أحوالنا وننعم جميعاً بخيرات بلدنا وألا تكون حكراً على بعض المتنفذين..‏‏

هكذا اعتدنا‏‏

(ك م س) كرر الشكوى من الفجوة الموجودة بين المواطن والمسؤول وبأن المواطن العادي لا أحد يسمعه، فقلتُ له إن جميع المسؤولين على مختلف مستوياتهم خصصوا بعض وقتهم لسماع المواطنين بشكل مباشر وبالتالي بإمكانك مراجعة أي وزير أو مدير بخصوص أي مسألة فقال: (كلام جرائد) حتى وإن كان هذا الأمر صحيحاً فإنه لن يستمر، وإن استمرّ فسيكون فيه خيار وفقوس وقد لاحظنا على التلفزيون كيف يتحكم موظف بعملية مراجعة المواطنين لأحد الوزراء والقصة ما زالت في بدايتها!‏‏

(ك م س) تمنى أن يكون تشاؤمه في غير محله وأضاف: كلنا مع القانون ولكن عندما نجد أن هذا القانون يُطبّق على فلان ويستثني «علتان» فمن الطبيعي ألا نثق بالموظف المسؤول عن تطبيق القانون...‏‏

ننتظر التطبيق‏‏

(خ م ش) وبعد سؤاله عن القوانين الجديدة التي تُدرس قال: بصراحة لم أطلع عليها وإنما اسمع ما يقال بشأنها عبر وسائل الإعلام وتبدو أنها ستكون ملبّية وتعطي جميع المواطنين حقوقهم وتحافظ على كرامتهم، وعلينا كمواطنين أن نساهم بالحفاظ على قوة هذه القوانين وجودتها وعدالتها من خلال حرصنا على تطبيقها بالشكل الصحيح ومحاربة الفساد في أي موقع وألا نكون شركاء في هذا الفساد، وأضاف: لا تستطيع الدولة أن تضع لكلّ موظف رقيباً ويجب أن يمارس المواطن هذا الدور بحرية ومسؤولية دون أي اعتبار للعواطف التي تجعلنا نغمض العين على الخطأ..‏‏

نحن شعب طيّب وبسيط وكلمة (حرام) تمنعنا من التمسّك بحقوقنا، فمثلاً عندما ندفع فاتورة هاتف أو كهرباء لا نطالب الجابي بإعادة ما تبقى لنا من (فراطة) كما درجت العادة وهذا فساد منّا ومن الموظف، وعندما نجد جارنا يشيد بناءً مخالفاً لا نبلّغ عنه وهذا أيضاً فساد ومع هذا نلوم الدولة والموظفين على فسادهم وننسى أنفسنا..‏‏

وتابع (خ م ش) بالقول: كل التوصيات وما صدر من قرارات لن تكون لها أي أهمية ما لم نحرص على تطبيقها بشكل كامل وأن نجبر (الموظف المتقاعس إن وجد) على تطبيقها من خلال وعينا لحقوقنا فيها..‏‏

والخلاصة‏‏

كلّ منّا يحكم على أي أمر من خلال تأثره به وانعكاساته عليه، فالقانون الذي يحقق لنا منفعة مباشرة نعتبره رائعاً والذي يحرمنا من ميزة وإن كسبناها بطريقة غير مشروعة فإنه قانون متخلف وغير مناسب في هذا الوقت...‏‏

اتفقنا مع الشباب الذين التقيناهم أنه يتوجب على الإعلام الاستمرار في توعية الناس بماهية القوانين الجديدة والقديمة وعلى حقّ المواطن في التعبير عن حريته بل ومطالبته أيضاً بممارسة هذه الحرية لأن الوطن لا يكون قوياً إلا بحرية أبنائه شرط أن تقترن هذه الحرية بالمسؤولية والوعي..‏‏

وأجمع هؤلاء الشباب على أن التفكير بالأمور الحياتية والتفاصيل المعاشية تفقد الشاب تركيزه وتشغله عن أساسيات مهمة إلى خيارات تأمين السكن ومقومات الزواج وغير ذلك، وبالتالي فإن توفير فرص العمل بشكل سهل وفي عمر مناسب يفتح الباب أمام الاستفادة من قدراتهم في ميادين العمل والبناء...‏‏

شبابنا وعلى الرغم مما يعانونه في موضوع تأمين فرص العمل إلا أنهم رفضوا الاستسلام لليأس وأصرّوا على التعبير عن أنفسهم واستمرار تسلحهم بالوعي لحقوقهم وواجباتهم ليكونوا شركاء في بناء سورية التي يحبّون.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية