خصوصية عالية ولكنها و بعد أن فقدت الحضور المميز والتواصل الشعوري والحسي صارت مشكلة على الهامش يتذمر الكثير منا عند ذكرها...
لمَ يصعب علينا فتح حوار بسيط مع أهلنا؟ ولماذا نرتبك ولم نتخلَ عن إمكانية وجود هذه العلاقة المميزة؟ وهل تقع المشكلة على عاتق الأهل فقط؟ أم أننا كأبناء نقصّر أحياناً في مكان ما؟
الخجل
تقول سهير 16سنة: أنا لا أتواصل مع أبي كثيراً بسبب الخجل منه فلا أستطيع التحدث معه في كل المواضيع وخاصة في ما يتعلق مثلاً بقصص الحب أو الأصدقاء, أما مع أمي فإن الأمر أهون قليلاً ولكنه لا يرتقي إلى مستوى الحديث بصراحة بل هو لا يتجاوز أحياناً مجرد الرموز وطرح المشكلة بشكل عام دون الخوض في التفاصيل.
الخوف
أما أسامة 18سنة: فرأى أن المانع من التواصل والانفتاح مع الأهل هو الخوف حيث إن العلاقة تطبع بكثير من تسلط الوالدين وتهديدات تحاسبني دونما حتى مجرد محاكمة عادلة للمشكلة التي وقعت فيها مثلاً.
فارق السن
أما نسرين20 سنة: لطالما أردت التواصل والانفتاح واتخاذ والدي صديقين، ولكن الفارق العمري الذي يضعني على ضفة ويضعهما على ضفة أخرى، فيبدو التواصل شبه معدوم، لأنّ الحوار يبقى محكوما بعقلية قديمة وأفكار لا تتلاءم مع طبيعة العصر بل تحكم على تصرفاتي بالطيش والحماقة.
عيب!!
تقول مروى 15 سنة: التواصل مع الأهل صعب، فعلى سبيل المثال لو صدر مني خطأ ما فإن أهلي لا يسألونني ولا يناقشونني فيه بل يبادرون إلى قولهم:عيب!! حتى صرت أحسب أنّ أي أمر سأقدم عليه هو مجرد خط أحمر سأتجاوزه لا أكثر, وتشوهت رؤيتي للأمور والتمييز بين الخطأ والصواب.
دور للمناهج
ترى المعلمة سميرة السرحان (66سنة) أنّ هذه المشكلة وبالإضافة إلى أسباب تتعلق بالأبناء والأهل فإن المدرسة تلعب دورها الضئيل في تعميق هذه العلاقة وزيادة أواصرها وتسهيل مفرداتها لكلا الطرفين، فلطالما كانت المناهج سابقاً ضعيفة في زرع هذه القيم وضيق دور الإرشاد النفسي، ولكن العزاء حقيقة في هذه المناهج الجديدة التي بنيت قدر الإمكان على مواكبة التطور والتكنولوجيا بما يخدم هذه العلاقة.
الأهل يدافعون عن أنفسهم!
يرى السيد هاني (59 سنة) لأن التواصل طبع دائماً بصفة القمعية (فرض الرأي) فنحن في مجتمع شرقي مصبوغ بالأنانية، ونحن الأهل نحاول.
وترى السيدة نوال الحنا (47سنة) أن العلاقات الإنسانية تحتاج الكثير من بذل الجهد والصبر، بينما يفتقد هذا الجيل لتلك الأمور إضافة إلى وسائل التكنولوجيا التي أبعدت أبناءنا عنا ووضعت الكثير من الحواجز بيننا وبينهم .
"هذا ما تربينا نحن عليه!! المثالية التي لم نتوصل إليها"، هذا ما قالته السيدة ناديا الطويل (51 سنة) والتي أضافت أن الأهل لا يحبون أن يقع أطفالهم في الأخطاء ذاتها التي وقعوا فيها ظنا منهم أن هذا سيساعد أطفالهم ولهذا فإننا دائمو التوبيخ لأطفالنا ومحاسبتهم دون ترك مساحة معينة لهم تسمح لهم بالخطأ وتحمل مسؤولية أخطائهم أمامنا.
ـ أما السيد سلمان جبيل (37 سنة) فيقول: أنا لا ألقي باللوم على الأبناء فقط لأن للأهل النصيب الأكبر في ضعف التواصل، فنحن من نربي وليس أطفالنا إضافة إلى تسليمنا بهذه المشكلة حتى أصبحت أشبه بالعادات والموروث فنهملها حتى تتفاقم فنفقد ذلك الخيط البسيط حتى للتواصل مع أطفالنا, ولكن هذا لا يعني أن أبناءنا لا يتحملون جزءاً من المشكلة.
حتى لا يقع التصادم والتقاطع
ترى المرشدة الاجتماعية براءة الجرماني: مدى أهمية التوفيق بين الأسلوب السلطوي والأسلوب التحرري المهتم بالمشاعر، وبهذه الطريقة يسجل الوالدان حضوراً في حياة أبنائهم، بحيث تكون للابن حرية التصرف وتحمل المسؤولية إضافة إلى احترامه الوسط الاجتماعي المحيط به.
وفنون التربية الأبوية تظهر أكثر تعقيداً لدى مواجهة مشاكل الابن الشاب، وهو ما يتطلب الكثير من الصبر والاستماع، حيث يتطلب في البداية حصر المشكلة في الإطار الأسري وتحديد المسؤوليات, ووجود ندوات تربوية تهدف إلى توعية الأسر إلى الأساليب بل وقد تفتح مجالا حواريا بين الأهل والأبناء للتحدث بصراحة.
ويشير المرشد التربوي والنفسي عاكف عامر: إلى وجوب شعور الشاب بالمزيد من الأمان في الوسط العائلي، حيث يحتاج إلى حضن أسري يحميه ويحافظ على كيانه ويحترم إرادته ويتفهم مشاكله بدل الانتقاد الحاد والحكم المسبق على تصرفاته وإشعاره بالاهتمام والمتابعة، وعلى الأولياء أن يبدوا المزيد من التسامح تجاه ما يبدر من أبنائهم، وحرية لا تخلو من الرقابة والقيود واهتمام لا يشوبه التسلط والقسوة.
ولمعالجة تلك المشكلة يجب أن يتفهم كل جيل متطلبات ورؤى الجيل الآخر, حتى لا يقع التصادم والتقاطع, وحتى يحل الاحترام والتقدير محل النزاع أو الصراع.