فإن الأسباب أبعد من مشكلة المياه فقط أو حتى تآكل التربة الصالحة للزراعة ناهيك عن عوامل الاحتباس الحراري.
وبداية يمكن التأكيد أن ارتفاع أسعار القمح في العالم بنسبة الثلثين أو أكثر قليلاً خلال عام 2011 والمرشح للزيادة هذا العام أيضاً هي مشكلة تؤرق دول العالم كافة لكنها تمس مباشرة أكثر من ملياري إنسان يعيش غالبيتهم في البلدان الفقيرة والنامية وإذا كان تأثير ارتفاع أسعار القمح في الدول المتقدمة لا يمثل خطراً حقيقياً حيث ينفق الناس في تلك الدول جزءاً بسيطاً من دخلهم على الغذاء فإن المليارين من فقراء العالم ينفقون وسطياً أكثر من ستين بالمئة من دخلهم على الطعام فقط.
لكن وبالعودة إلى أسباب انخفاض إنتاج الحبوب والقمح تحديداً فإن السبب الحقيقي ليس فقط الطلب المتزايد علىهذا المحصول الاستراتيجي جراء الزيادة السكانية الكبيرة وإنما يعود أيضاً إلى استخدام العديد من الدول للحبوب الغذائية ومنها القمح بطبيعة الحال لوقود بديل ما جعل أسعارها ترتبط بأسعار النفط فكل زيادة في أسعار الطاقة تقابلها زيادة في أسعار الحبوب الغذائية فالولايات المتحدة بلغ محصولها من القمح العام الفائت 400 مليون طن حولت 126 مليوناً منها إلى مشتقات الايثانول (وقود السيارات) في حين كان هذا الرقم بحدود 16 مليون طن عام 2000 أما دول الاتحاد الأوروبي فتنوي تحويل الحبوب إلى طاقة نظيفة كما تسمى لتصبح عشرة بالمئة من وسائل النقل في دولها تعمل على الطاقة النظيفة عام 2020.
وتؤكد الأرقام أن استهلاك العالم للحبوب بلغ 2،2 مليار طن سنوياً وأن الحاجة السنوية من الحبوب ترتفع بوتيرة 400 مليون طن كل عام فيما تزداد القدرة على إنتاج الحبوب بمعدل 20 مليون سنوياً.
إذاً نحن أمام مشهد مأساوي تصحر يزحف على الأرض وسوء إدارة للتربة مع نضوب متزايد لمصادر المياه الجوفية يقابله تزايد سكاني بلا ضوابط في البلدان الفقيرة والنامية في وقت تزداد فيه التقلبات المناخية المدمرة من فيضانات وموجات برد قارس إلى ارتفاع غير معهود في درجة حرارة الأرض بينما تسعى الدول المتقدمة خصوصاً إلى استخدام المحاصيل الزراعية بشكل متسارع لاستخراج الطاقة ما جعل أسعار الحبوب والقمح خصوصاً يرتبط أكثر فأكثر بأسعار النفط وهي عملية مستمرة بلا ومتسارعة والربح هو أساس هذه السياسات التي لا تفكر سوى بزيادة أرباح الشركات والدول المتقدمة صناعياً على حساب الأمن الغذائي العالمي وإذا أخذنا أمثلة من الوطن العربي وبحسب أرقام الخبراء أيضاً لوجدنا أن الوضع يتأزم ففي مصر مثلاً دفع الشعب المصري ثمن سياسات غذائية خاطئة فتم تحويل الأراضي المستصلحة إلى (منتجعات) تباع بالمليارات وتحويل آلاف الفدانات إلى (مولات تجارية) ويؤكد د. محمد ابراهيم منصور أن الفساد في مصر كان السبب الرئيسي لظاهرة التصحر وحرمان مصر من أجود وأخصب الأراضي الزراعية أما الباحث د. اسماعيل عبد الجليل فحذر من تناقص المساحات الزراعية المروع وأن مصر تخسر حالياً بمعدل 5،3 فدان كل ساعة وقد سعى الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً إلى جعل مصر في مقدمة الدول المستوردة للقمح بزعم عدم قدرتها علىتحقيق الاكتفاء الذاتي منه كما عملوا مع الفاسدين المحليين إلى استبدال زراعة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية بزراعة أخرى مثل (الفريز) الفراولة وغيرها وتصديرها للخارج واستيراد القمح..؟! متناسين حقيقة أن القمح سلعة استراتيجية وأمن قومي وأنه يمكن استخدامه ورقة ضغط سياسية وهو ما كان يحصل بالفعل علماً أن دلتا النيل تكفي وحدها إذا ما أحسن استخدامها لإطعام الشعب المصري بل والتصدير أيضاً ويبدو أن ليبيا تشهد هي الأخرى مخاطر في هذا المجال فهي تسعون بالمئة من حاجتها من القمح وإذا عرضنا إلى المملكة العربية السعودية والتي حققت وعلى مدى عشرين عاماً اكتفاء ذاتياً من القمح نجد أنها تعلن أن مياهها الجوفية تنضب بسرعة وأن الأراضي الزراعية لا يمكن التوسع بها أكثر من هذا البلد الصحراوي وهي تلجأ إلى حلول منها شراء أو استئجار أراض زراعية في دول مثل اثيوبيا والسودان لإنتاج المزيد من المحاصيل الزراعية الغذائية ومنها القمح الذي امتنعت العديد من الدول عن تصديره من أجل الأمن الغذائي في بلدانها وتحقيق الكفاية لشعوبها من هذا المحصول الهام.
وينطبق على اليمن أيضاً وبحسب الخبراء ما ينطبق على غيرها فقد تقلصت محاصيل الحبوب بنسبة الثلث على مدى الأربعين سنة الماضية بينما يزداد الطلب على تلك المحاصيل وتستورد اليمن أكثر من 80٪ من محاصيلها والتي تعد من أسرع دول العالم نمواً سكانياً.
وهذا هو الحال في معظم الدول العربية إذا استثنينا دولاً مثل سورية التي تحقق كفاية محلية من القمح رغم كل الظروف المناخية السيئة.
لكن يبدو أن الحل الواقعي والمجدي على المدى القريب والبعيد بالنسبة للعرب هو في إقامة مشاريع زراعية مشتركة تستعاد من الامكانيات المادية ومن التقنيات وأيضاً من المياه المتوفرة في مناطق عربية متقدمة ناهيك عن الأراضي الزراعية والصالحة للزراعة والتي يمكن استصلاحها لمواجهة أزمة عالمية غذائية خاطئة لا ترحم أحداً فهل نبدأ بالتعاون العربي الفعال لحماية أمننا الغذائي يجب أن نبدأ الآن.