مهما يكن لا ينكر توفو الكبير تأثره بالآخر الكبير لي بو رغم اختلاف شخصية واحدهما عن الآخر، أو ربما جاء التأثر بسبب هذا الاختلاف.
يُظهر شعر توفو اهتماماً جلياً بأحوال زمانه، ويتميز المدى الشعوري والانفعالي لديه بكونه أكبر وأوسع مما لدى معاصره لي بو، كما أنه أعمق فكراً.
عاش توفو في مرحلة التانغ بين عامي 712 و770، وقد قيل إن شعره افتقد إلى المواضيع المشحونة عاطفة من مثل الموت والحب. وقد ركز النقد على إحساس توفو القوي بالتاريخ، التزامه الأخلاقي وإجادته التقنية.
التاريخ
منذ سلالة «سونغ» مال النقاد إلى تسمية توفو «بالشاعر المؤرخ». ولعل قصائده الأكثر مباشرة على الصعيد التاريخي هي تلك المعلِّقة على فنون القتال العسكرية أو على نجاح وفشل الحكومة أو كذلك قصائد النصح التي كتبها للإمبراطور وإلى ذلك فإنه كتب بطريقة غير مباشرة حول تأثير الزمان الذي عاش فيه على نفسه وعلى أناس الصين العاديين. وهذا يشكل نوعاً فريداً من المعلومات عن التاريخ الرسمي للحقبة التي عاش فيها.
مهما يكن، يجدر الانتباه إلى أن تعليقات توفو السياسية تستند إلى العاطفة أكثر مما إلى التقدير العلمي الموضوعي. ويمكن إيراد وصفاته السياسية نثراً على الشكل التالي: «لنكن أقل أنانية، لنفعل جميعاً ما يتوجب علينا فعله». وبما أن من المستحيل عدم الموافقة على آرائه، لذا فالقضايا التي تطرق إليها نصبته الشخصية المركزية للتاريخ الشعري الصيني.
الالتزام الأخلاقي
هناك تسمية أخرى أطلقها النقاد الصينيون على توفو هي «الحكيم الشاعر» وهي النظير للحكيم الفيلسوف، كونفوشيوس، «أغنية العربات» (حوالي عام 750) تعطي مجالاً للتعبير عن معاناة مجنّدي الجيش الإمبراطوري، حتى قبل تمرد آن لو شان الذي أضعف السلالة الحاكمة وشتت الشعراء. تطرح هذه القصيدة التوتر بين الحاجة إلى أداء الشخص لواجباته وبين إدراك المعاناة التي يولدها ذلك الالتزام. مواضيع كهذه حفلت بها قصائد لتوفو تتعلق بحياة الجنود والمدنيين على السواء.
مع أن إشارات توفو المتواترة إلى مشاكله يمكن أن تُعطي انطباعاً بوجود جرعة تعاطف لافت لديه، يشتمل كذلك على الحنو على نفسه، لا بد أن يرى ذلك ضمن إطار موضوعي وكأمر طارئ. لذا نراه يولي كبير الأهمية إلى الصورة الأوسع مقارناً إياها كمعطى «بتفاهة شبه هزلية».
يُعتبر عطف، بل شفقة توفو على نفسه وعلى الآخرين جزءاً من عملية توسعته لمجال الشعر. لقد كرّس العديد من قصائده لمواضيع، اعتبرت قبلاً غير ملائمة للمعالجة الشعرية. وقد كتب أحد رجالات الأدب زانغ جي «أن كل شيء في هذا العالم بالنسبة لتوفو هو شعر»، ولذا رأيناه يكتب بكثافة معينة عن مواضيع مثل الحياة المنزلية، علم الحظ، اللوحات الفنية، الحيوانات وغير ذلك.
التجويد التقني
يتميز شعر توفو بخصوصية مجال موضوعاته المترامي. وقد كان «يوان زن» أول من أشار إلى ترامي إنجازاته على صعيد المواضيع، فكتب يوان ذاك عام 813 أن سابقه توفو «قد وحّد، بل دمج، في قصائده مزايا لم يقم السابقون عليه بعرضها سوى بشكل منفصل أو أحادي». أجاد توفو نظم كل أنواع الشعر الصيني. ويقال إنه في كل باب من أبواب الشعر حقق إضافات مهمّة أو قدّم أمثلة لافتة عليها. كما وينوّع هذا الشاعر في مستويات اللغة المستعملة، فمن المباشر والحكي إلى التلميح والغرق في الفصاحة. ويمكن أحياناً ملاحظة هذا التنوع حتى داخل العمل الشعري الواحد. ويرى البعض أن التحولات الأسلوبية والموضوعية السريعة هي من أجل تقديم مختلف أوجه الموقف. ويُعرف عن توفو كتابته حوالي 18 قصيدة عن الرسم وحده وذلك أكثر من أي شاعر آخر من حقبة التانغ.
يمكن القول إن نبرة قصائده تغيرت مع تطويره لأسلوبه وتكيفّه، كما الحرباء مع محيطها المتغير. أعماله الباكرة اتخذت أسلوباً أو نبرة ريفية نسبياً، لكنه ما لبث لاحقاً أن اهتدى إلى أسلوبه بل إيقاعه الخاص. ثمة عنده ما يسمى «البساطة العابسة» في قصائد مرحلة «كينزود» التي تصور أو تعكس منظر الصحراء. أما قصائد مرحلة «شينغدو» فهي «خفيفة». وبدورها تتسم قصائد مرحلة «كينزو المتأخرة» بالكثافة وقوة الرؤيا.