حين تحدِّثُها من كتبَ الآخرَ هي أم النص فكلاهما يَشِفُّ عن معنى آسرٍ.. إنها ابنة الأهواز الشاعرة والمترجمة مريم حيدري التي التقتها وكالة انباء الشعر وكان هذا الحوار..
النص يقتل بالترجمة السيئة..
- يقال إن الترجمة خيانة للنص.. ما تعليقك على ذلك, وأنت اشتغلت على ترجمة الكثير من النصوص الإبداعية؟
-- لاأعتقد أن الترجمة هي خيانة بالمعنى الحقيقي, وإن تكن خیانة فلتكن. فماذا نفعل من أجل أن نقرأ الآخر ومن أجل أن نتعرف على الأدب العالمي وحتى على آداب جيراننا مثلاً.
في كثير من الأحيان عندما أترجم نصاً شعرياً أو غير ذلك، أتمنى لو كان القارئ يستطيع أن يقرأ ذلك النص بلغته الأصلية ولكن ماذا نفعل؟ على المترجم فقط أن يبذل كل جهده ليصب روح النص الأصلي في ترجمته, لتكون نسخة أخرى من النص الأصلي في اللغة المترجمة. أنا أشعر بحزن شديد عندما أرى ترجمة سيئة خصوصاً لنص جميل وذي قيمة.. النص يُقتل بالترجمة السيئة وعلينا أن نصونه.
مُغرَمة بالصوفية..
- بين العربية والفارسية تتوزع مريم حيدري شاعرةً.. أيُّ اللغتين تجدين أنها تتسع لما تودين قوله شعراً؟
-- تعرف أن لغتي الأم هي اللغة العربية لكن علاقتي مع الفارسية جيدة جداً. أنا أكتب بالعربية والفارسية.. في بعض الأحيان أشعر أنه علي أن اكتب بالفارسية قصيدة ما مثلاً, وأحياناً أجد أن العربية فتحت أحضانها لما أريد أن أكتبه. القصيدة تأتي إليَّ بلغتها.. هي تختار لغتها وتعرِّج نحوي.. بالفارسية أم العربية.. أنا كتبت أول ما كتبت بالفارسية.. ثم بدأت الكتابة بالعربية.. الفارسية قريبة جداً إلي.. أفكر في كثير من الأحيان و أحدِّثُ نفسي بالفارسية.. هي أعطتني تجارب لم يمكن من السهل أن أجدها في لغة أخرى.. كنت منذ صباي مغرمة بالصوفية.. وقرأتها بالفارسية.. قرأت جلال الدين الرومي وحافظ و شمس التبريزي وسعدي والعطار كلهم بالفارسية وعشقتهم.. لا أستطيع أن أتصور أن يكون جلال الدين الرومي ليكتب كل تلك القصائد الجنونية المذهلة في لغة أخرى.. ربما أقول هذا لأني اعتدت عليه بالفارسية.. لا أعرف.. لكن الآن أشعر أني لن أستطيع يوماً أن أتخلى عن الفارسية وأتركها.
أعشقُ العربية..
أما العربية فهي عظيمة جداً.. لا أقترب إليها بتلك البساطة التي أقترب بها إلى الفارسية.. الفارسية بسيطة ومتواضعة, أما العربية فهي محتشمة وعليك أن تقترب منها بشيء من الرهبة والخشوع.. العربية منحتني الاتزان والتأني.. كأن الفارسية تكاد تكون لغة مجنونة, والعربية لغة متزنة ومحكمة. التفاصيل اللغوية الجميلة التي تنحصر العربية بامتلاكها، النغمات التي تتشكّل عفوياً في العبارات البسيطة وكل الاتساع اللغوي والمفردات الهائلة التي يمكن أن يضيع الشخص بينها تجعلني أعشق العربية.. في العربية أجد نفسي فتاة عربية تريد أن تنطلق وتكتب وترى وتعشق ما هو غير ممكن ومحظور, وفي الفارسية أنا فتاة فارسية لها هموم تختلف عن الأولى.. تكتب عن حب آخر وعن قيود أخرى وتنبهر بأشياء أخرى... وأحياناً يختلط كل شيء بكل شيء.. هناك ازدواجية ليست سيئة تأتي من وجود ثقافتين معاً في داخلي.. وأنا أحب هاتين الثقافتين كلتيهما.
أنا متمردة..
- صرّحت ذات مرة قائلة: « أحاول أن أعكس التمرد الذي في داخلي من خلال قصائدي» ما تبرير ذلك برأيك؟
-- أنا متمردة مع أنه لا يكون ذلك واضحاً في كثير من الأحيان في ملامحي. التمرد الذي تحدّثت عنه فيما أشرت أنت إليه يعني التمرّد على التقاليد.. كنت ولازلت أُعتبَر- لاسيما في مجتمعنا الأهوازي- فتاة متمردة.. فيما أفعل وفي علاقاتي وربما حتى في مظهري.. أشعر أنني لا أستطيع تقبّل أيَّ قيدٍ مبني على الجهل وناتج من قصر النظر والتشدد بكل أنواعه دينياً كان أم قبلياً أم أي شيء آخر..
الجمهور الشعري في الأهواز يريد شعراً موزوناً..
- ما تقييمك للمشهد الشعري في الأهواز وكيف تنظرين لعلاقته مع القارئ في الدول العربية؟
-- هناك ضربان من الشعر يكتبان في الأهواز: الشعر الشعبي أو العامي, والشعر الفصيح.. الشعر الشعبي الأهوازي يشبه الشعر الشعبي في العراق وأنا لا خبرة لي فيه.. فلا أسمح لنفسي بالتحدث عنه.. فقط أذكر أنه شعر جميل وكنت فيما سبق أتمتع بقراءته غير أنني ابتعدت عن قراءته لأسباب ما.. أما غالبية القصائد الفصحى التي تكتب في الأهواز فهي قصائد تفعيلة.. ما زال الجمهور الشعري في الأهواز- قرّاءً وكتّاباً- يريد من الشعر أن يكون موزوناً.. أنا أيضاً كنت أمارس شعر التفعيلة في البداية وحتى السنين الأخيرة.. هناك شعراء جيدون في هذا المجال وشباب يتطلع إلى مستقبل شعري ناجح.. تكتب أيضا قصائد كلاسيكية بشكل جاد وهناك محاولات وتجارب جميلة من قبل شباب آخرين في كتابة قصيدة النثر.. عموماً أعتقد أن المشهد الشعري الأهوازي يكاد يكون ذا صوت بين المشاهد الشعرية الأخرى في البلدان العربية.. فهو لا ينقصه شيء من مواهب ومتابعات وتطلعات جادة لا سيما بين الشباب.
أعرفُ متابعات الشعراء..
- في ظل تقنية الانترنت والفضائيات..هل استطاع الشاعر أو الأديب الأهوازي أن يكسر طوق المحلية ليوصل صوته؟
-- الانترنت والتلفاز يؤثران على كل حياتنا وحتى على تفاصيلها.. عندما أتحدث عن نفسي أرى أن الانترنت ساعدني في إيصال صوتي الشعري نوعاً ما.. تعرف ذلك يعود إلى جهدي أو إلى الكسل عندي.. لكنه وسيلة جيدة للتواصل وربما هو أفضل وأسرع وسيلة لتوصل شاعر شاب إلى هدفه الشعري... أما الفضائيات والتلفاز فأنا بعيدة عنها تقريباً ولا أعيش الآن في الأهواز لكني أعرف متابعات الشعراء وهواة الشعر شباباً وشيوخاً في الأهواز للبرامج الأدبية والثقافية والمسابقات الشعرية والأدبية التي تقام في البلدان العربية ويتم بثها عبر القنوات الفضائية...
لاحاجز أمام إصدار الكتب العربية..
- الكتاب الثقافي العربي في الأهواز.. مامدى انتشاره والاعتناء به؟ وهل ثمة معارض تقام له.. وما قراءتكم للحاجة إلى ذلك ؟
-- لا.. ليس هناك مجال كثير لإصدار الكتب في الأهواز.. صدرت كتب شعرية عربية لشعراء أهوازيين في إيران غالباً ما كانت من قبل دار نشر «شادكان»، لكنها قليلة.. لا أعتقد أن هناك حاجزاً أساسياً أمام إصدار الكتب العربية, ولكن أعتقد أن الأمر يعود إلى اهتمام الشعراء الأهوازيين بشعرهم وبإصدارهم دواوين شعرية... غير ذلك ليست هناك دور نشر كثيرة في البلاد تقبل بإصدار كتب عربية, فالناشر يحسب انه لا قارئ لمثل تلك الكتب.. تصدر سنوياً كثير من الكتب الشعرية الدينية في الأهواز وفي مدن أخرى مثل قُم.. لكني أكاد لا أحسبها ضمن الدواوين الشعرية والمشروع الشعري والأدبي البحت..
أحاول نشر ديواني بالفارسية..
- أخبرينا عن مشاريعك الأدبية التي تبشرين بها؟
-- هناك ترجمات كثيرة من العربية للفارسية ومن الفارسية للعربية.. كما أحاول وآمل أن يتسنى لي الوقت لجمع قصائدي العربية لنشرها ضمن ديوان كما سيصدر ديواني بالفارسية أو الذي يضم قصائد بالفارسية كتبتها خلال الأعوام الأخيرة.
صدرت لي ترجمة ديوان «أثر الفراشة» لمحمود درويش قبل أشهر في إيران, وكان كتاباً ناجحاً كما صدر لي في العام الماضي كتاب «الرحالة والعالم» يضم مقالات مترجمة عن الرحلات الشرقية والعالمية.. والذي صدر في أبو ظبي من قبل دار السويدي للنشر وضمن فعاليات مؤتمر أدب الرحلة حيث أقيم في الدوحة.. هناك ترجمة لمختارات للشاعر الإيراني الشهير «أحمد رضا أحمدي» ترجمتها إلى العربية وستصدر قريباً في الجزائر, وترجمة مختارات قصصية للكاتب الإيراني «مصطفى مستور» إلى العربية, ترجمة «ساتان أبيض» للشاعرة عناية جابر إلى الفارسية، ستصدر قريباً في إيران.. ترجمة مختارات للشاعر «نوري الجراح» إلى الفارسية أيضا ستصدر هذا العام.. ترجمة مختارات للشاعر «وليد علاء الدين» وترجمات أخرى لا أطيل عليك بذكرها.. كما أن هناك دراسة أو قراءة لكتاب «الكتاب» لأدونيس بالفارسية.. هي قيد الطبع أيضاً.. ومشاريع أخرى أطمح إلى إكمالها حتى نهاية هذا العام..
أحب النصوص النسائية..
- يتداول البعض مسمى – النص الأنثوي– دون استناد على ملامح نصيّة بعينها، برأيك هل هي محاولة قصدية للتهميش أم واقع يفرض نفسه؟
-- ليس هذا محل اهتمامي.. فلم أكن من دعاة (الفيمينية) في حين كنت أحاول أن أتحدى أيَّ محاولة لتهميش المرأة في مجتمعي.. كان الأمر شخصياً أكثر مما يكون كفاحاً عاماً.. بالنسبة للنص الأنثوي, لا أعتقد أنه في مجال تخصصي التحدثُ عنه.. هناك من حاولت أن تخرج من إطار النص المألوف واصفة إياه نصاً فحولياً وكتبت ما سمته نصاً أنثوياً... أنا أقبل كثيراً ما يقال حول النص الذكوري المألوف والسائد.. ولكن شخصياً لم أمارس شيئاً ضد ذلك, ولم يكن محط اهتمامي كثيراً.. سوى قراءات ونصوص نقدية قرأتها هنا وهناك.. لا أعتقد أن كتابة نص أنثوي ستجدي كثيراً, فقضية المرأة والرجل لاسيما في مجتمعاتنا مازالت قضية أبسط من ذلك.. ولقد ذكرت فيما سبق أن النص يجب أن ينتمي إلى كاتبه كإنسان, ولا يهم أن يكون الكاتب رجلاً أم امرأة.. مع أني أحب النصوص النسائية الشعرية مثلاً.. ولكن ذلك لا يعني انتماء أو اتجاهاً أساسياً.. هو ربما شعور بالقرب فقط إلى الشاعرات والكاتبات.. لاغير.