ومما ذّكر أيضاً أنه دفع للصحف كي تنشرها.. وأغدق في مدح عمله، كما غضب كون إحدى الصحف حذفت عبارة «مسيو بروست رفيع المستوى».
كل ما يخطر ببالك حين تقرأ هذا الخبر أن بعض الكتّاب يجعل من الكتابة مطيةً للشهرة لا غير.. وسيلتهم لتثبيت صوابية «أنواتهم»، كما يعتقدون.. دون أن يدركوا أن ثمة فرقاً بين كون الـ(أنا) صائبة وكونها متضخمة.
هل فعلة «مسيو بروست» تُعتبر رفيعة المستوى أخلاقياً..؟
أعتقد أن الأدب/الإبداع بعينه، ينوء بحمل هكذا «ذوات» واقعة في عشق نفسها، دون الالتفات إلى الآخر.
هل سمع هؤلاء يوماً بنظريات العلوم الإنسانية وجماليات الفن والإبداع..؟
هل آمنوا كون الجمال، بشقّيه، علاجاً للكثير من الأعراض النفسية..؟
لعلهم لم يدركوا حقيقة كونهم هم أنفسهم مرضى نفسيين..
وإن لا، كيف نظروا إلى الأدب مرآة تعكس صورتهم وفقط.. أو تؤدي لعكس المزيد والمزيد من شرنقة الـ (أنا) وحسب..؟!
في توسيع نظرتنا إلى الإنسانيات ولماذا ندرسها، وفق الكاتب جون هورجان، فلأنها «تهتم بشكل أكبر بالتساؤل وتمنحه الأفضلية على الإجابات».. تحرّض السؤال وتنكش منطقة الخنوع ليقينيات يابسة.. وبالتالي تُعمل الفكر.. فتستثير وتستولد الأفكار المبدعة.
في فيلم (مجمع الشعراء الموتى)، يستطيع مدرس اللغة الإنكليزية، أداء الممثل روبن وليامز، أن يُلهم طلابه بتعليمهم «الأدب».. يؤثر بهم بأداة «الشعر»..
ومن أجمل الأقوال التي يستعين بها لتحريك جمود طلابه، قولُ (والت ويتمان): «..إننا نكتب الشعر ونقرؤه لأننا في سباق بشري.. والسباق البشري مشبع بالعاطفة. الطب، القانون، الأعمال الهندسية إنها أعمال نبيلة وضرورية للعيش.. أما الشعر.. الجمال.. الرومانسية.. الحب، فهي ما يبقينا على قيد الحياة»..
كل هذه الجماليات.. تكسبنا طريقةً للتفكير.. تخصّب الفكر.. تنتشله من كمون ثبات مقيت.
ألا تلمحون شيئاً من الضدية بين فعل بروست وكلام ويتمان..؟
بالنسبة للأول.. فيبدو أن الأدب أبقاه على قيد شهرةٍ.. بينما أبقى الآخر على قيد شغفٍ وحب.
lamisali25@yahoo.com