فأميركا وحلفاؤها بعد أن خسرت على مختلف الجهات التي حاولت غزوها تسعى من خلال «البوكمال» التي تحولت الى منطقة صراع دولي كونها تعد آخر معقل «لداعش» في سورية الى تحقيق مكاسب جمة في نهاية الحرب على سورية، في الوقت الذي تتوالى فيه المصالحات ومناطق خفض التوتر الى إعادة نشر الامان في عدة مناطق من الجغرافيا السورية وبدء عودة الآلاف من الاهالي الى المناطق التي حررها الجيش مع أنباء عن تعزيزات عسكرية الى بلدة حضر في ريف القنيطرة لحمايتها من التنظيمات الارهابية.
وقد بدأ الجيش العربي السوري بالأمس بتطويق مدينة البوكمال، آخر معقل رئيسي لتنظيم «داعش» استعداداً لدخولها فيما التقى مع القوات العراقية على الحدود السورية - العراقية على بعد 24 كيلومتراً جنوب مدينة البوكمال، الامر الذي جعل «داعش» بين فكي عمليتين عسكريتين ستقضي على آخر تحصيناته، لذا من المتوقع أن يكون الاعلان عن تحرير المدينة في أي لحظة، كما استطاع الجيش السوري تأمين الطريق الدولي من شرق السعن وحتى أثريا في ريف حماة الشمالي، ليدعم عمليات نصره بإرسال تعزيزات عسكرية إلى بلدة «حضر» بريف القنيطرة الشمالي، بهدف تأمين البلدة من التنظيمات الإرهابية التي تهدد المنطقة، والتي شاركتها «اسرائيل» بالتهديد عبر تباكيها المزعوم على مستقبل البلدة في ظل استمرار تهديد التنظيمات الارهابية لها.
وعلى جانب إعادة الأمن والأمان الى المحافظات السورية تعود اتفاقات المصالحة وخفض التوتر الى المشهد السياسي حيث تم الاتفاق على اعادة التوقيع على اتفاق خفض التوتر حول العاصمة دمشق بصيغة جديدة وبرعاية روسية بعد أن توسطت في المحادثات التي أجريت مع متزعمي التنظيمات الارهابية في ضواحي دمشق، في ظل استمرار بعض هذه التنظيمات بالاقتتال وتبادل الاتهامات، حيث تحدثت مصادر تابعة لهذه التنظيمات عن اندلاع اشتباكات في منطقة الأشعري شرقي دمشق بين فصيلي «جيش الإسلام» و»فيلق الرحمن» وسط اتهامات متبادلة حول الطرف الذي بدأ الهجوم على الآخر.
كما شهد ريف حماة الجنوبي وريف حمص الشمالي في المناطق التي تتواجد فيها بعض التنظيمات الارهابية مباحثات للخوض في اتفاقات مصالحة جديدة بدعم روسي وتنص وثيقة العمل المقترحة على إعادة تجديد الممرات الإنسانية المتفق عليها سابقاً، وإدخال مساعدات غذائية، ومشروع وقف إطلاق نار شامل في المنطقة، فيما أكدت مصادر ميدانية على استمرار التنظيمات الارهابية بزيادة شروط العرقلة لحفظ مكانتهم وجني مكاسب أكبر مع اصرارهم على مطالب غير محقة تستمر بآخذ الايعاز عليها من قبل الدول التي تأتمر لها، فهي لن تستطيع التحرك أو العمل خارج اطار ما رسم لها وهو ما أصدره الغزو التركي مؤخراً لما يسمى «الحزب الإسلامي التركستاني» الممول تركياً وحليف «النصرة»، بنقل ارهابييه من مناطق توزعهم في إدلب، وخصوصاً في ريف جسر الشغور، إلى مناطق تواجد ميليشيا «درع الفرات» التابعة لتركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي، فقد تحدثت مصادر ميدانية مقربة من هذه التنظيمات عن أن الأوامر صدرت من تركيا لنقل عائلات ارهابييه ممن يسمون «الإيغور الصينيين ذوي الأصول التركمانية» في محاولة لاحتواء ردود فعل مرتقبة من السكان المحليين الغاضبين من تعديات هؤلاء الارهابيين من سرقة وسلب ونهب لممتلكات المواطنيين والذين سمحت لهم تركيا بهذه الاعتداءات.
من ناحية أخرى عادت اسطوانة الكيماوي المشروخة الى واجهة الاحداث السياسية كوسيلة ضغط اخرى في ظل الانتصارات الكبيرة للجيش العربي السوري والتي وضعت الدول التي تقف خلف هذا التقرير في مأزق متأزم نتيجة فشلها في تحقيق أي مكاسب على الارض السورية، ليعود الاتحاد الاوروبي ويهدد كمن يمتلك العصاة السحرية لتغيير مايحصل من انتصارات و بأنه سيفرض عقوبات على دمشق تشبه احلامه الوردية بإسقاط الدولة السورية، والتي تتعارض مع ما نطق به عن قصد أو بتعثر غير مقصود إدمون موليت رئيس الآلية المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق «بالكيماوي» بأن التقرير الأخير مسيس لأن بعثة التحقيق المشتركة تعرضت لضغوطات من ممثلي دول أعضاء بمجلس الأمن الدولي لم تستطع رفضها مسبقاً لكنها نطقت بها بعد إصدار التقرير، فما سبب هذا الاعتراف المتأخر؟ في الوقت ذاته استمرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بغيهم السياسي ودعوا الى تمديد مهمة الآلية المشتركة للتحقيق، والتي وقفت روسيا في وجهه مجدداً مؤكدة أنه مليء بالعيوب والثغرات.
الحرب على سورية التي تقودها رأس الحربة واشنطن أشرفت على نهايتها وباعتراف مختلف الجهات حتى من داخل أميركا، لكن هذا الأمر بدأ يشكل أرقاً وتوتراً لتلك الدول وبدأت بالتحدث عن بنك أهدافها القادم مابعد داعش، حيث يستعد وزراء دفاع الدول في حلف «الناتو» وعلى قائمتهم وزير الحرب الأميركي جيم ماتيس الى التحدث باستراتيجية بلاده لمرحلة «ما بعد داعش»، فالنهاية المأساوية لأدواتها الارهابية لم تكن في حساب مخططاتها، لذا هي تحتاج الى خطة بديلة تضمن بقاء يدي عدوانها على مقربة من مساحة استعمارها خاصة بما يتعلق بالدعم اللوجستي، والتسليحي، والتمويلي للتنظيمات الارهابية المرتبطة بالولايات المتحدة، وفي مقدمتهم «قوات سورية الديموقراطية» «قسد»، وهنا تؤكّد قيادة «قوات العمليات الخاصة الأميركية في سورية» عزمها على مواصلة دعم «قسد»، التي دربّتها وسلّحتها، وقاتلت إلى جانب القوات الأميركية، إذ يرون فيها حصناً ضد أي انتصار آخر للجيش العربي السوري وحلفائه، بل ذهبت واشنطن بتيهها وغرورها الى تباهيها بالقيام بدورات تدريبية كاملة لقوات (قسد) لمواجهة الجيش، حيث اعترف المبعوث الأميركي الخاص بتحالف واشنطن بريت ماكغورك بأنه لديهم المزيد من المجندين ولأكثر من قدرتهم على التدريب لذلك، هو نوع من الزخم الإيجابي، بالمقابل يبدي أعضاء «الكونغرس» عدم رغبتهم بالدخول في معركة أخرى لا يحققون منها أي مكاسب، لذا يرى محللون أن توالي الانتصارات والمكاسب التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض، يدفع الحكومة الأميركية إلى الحديث مع روسيا حول خريطة طريق لتحقيق تسوية سلمية في سورية، حيث يقول الجميع إن «الحرب تنتهي في جنيف».