تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فــــي صورتـــــــــه الجديــــــدة.. هل أنصفوا المستشرق ماسينون؟

عن لوموند
ثقافة
الأربعاء 30-6-2010م
ترجمة: دلال إبراهيم

يبدو أن الآن هي الفرصة الأنسب لإعادة اكتشاف المستشرق لويس ماسينون (1883-1962) في وقت يبحث فيه الغرب عن الكلمات المناسبة للتوجه فيها نحو العالم الإسلامي.

وتنبع أهمية إعادة تسليط الضوء على هذا العالم بالدراسات الإسلامية والذي يعتبر واحداً من أهم المستشرقين الأوروبيين في القرن العشرين نظراً لأنه شخصية استثنائية كثيراً ما أسيء فهمه.‏

وجاء جمع كتاباته في طبعة نقدية ضمن مجلدين صدرا حديثاً - والتي بالتأكيد لن تكون من أكثر الكتب مبيعاً - في مستوى الطموح الفلسفي الذي رافق إصدارها قبل ثلاثين عاماً.‏

ويوضح البروفيسور في الفلسفة العربية والإيرانية كريستيان جامبيه أن اهتمام الأساتذة الجامعيين الأربعة الذين أكبوا سابقاً على هذا العمل المضني انصب على إنهائه بصورة كاريكاتورية مشوهة، حملوه فيها جميع آثام وخطايا العالم حيث لم ينظروا إليه بوصفه عالماً عصياً على الفهم وينطوي على خطأ فحسب وإنما كمسيحي غير متنور وعالم بالإسلام غير محصن وأيضاً كعدو لإسرائيل ومناهض للاحتلال واستعماري للغاية.‏

كان ماسينون قبل كل شيء (فكراً علمياً متقدماً) -والكلام ما زال لجامبيه- أو كما وصفه المفكر جاك مارتن صديقه منذ فترة طويلة (رجل ذو عظمة متفردة وعبقرية استثنائية) ولديه كان (العلم أكثر استنباطاً وأكثر شمولاً) ينبع من التعطش المضني للعالم الصوفي في العدالة والمطلق.‏

وقد رسم رومان غاري صورة مدهشة له في كتابه (سيكون الليل ساكناً) وكان قد شبهه «بالخيط الفولاذي يسخن لدرجة البياض حتى يصبح ينبض ويهتز ويمكن قطعه في أي لحظة... بنية جسدية ضعيفة لعجوز مراهق، غراب أشيب وشفاف وفي واحدة من عيونه السوداء الحارقة يجعل لكم ثقوباً في سترتكم الخارجية».‏

وبسبب تمزقه في الصغر بين كاثوليكية والدته وعلمانية أبيه فقد ماسينون عقيدته الإيمانية منذ صغره.‏

تابع دروساً في اللغة العربية والعلوم الإسلامية في معهد اللغات الشرقية في باريس.‏

وبعد رحلة قام بها إلى المغرب وإجراء بحوث أولية عن ليون الإفريقي أمضى ماسينون ثمانية أشهر في القاهرة في الفترة الواقعة ما بين عامي 1906-1907، وكانت تلك الإقامة لهذا المستشرق الشاب حاسمة لسببين:‏

أولاً: كانت له فيها تجربة غرامية مثلية مع لوي غوادار الذي ظل يلاحقه لغاية انتحاره بعدها بأعوام ومن ثم لأنه اكتشف خلالها شخصية الحلاج، وقد قدم ماسينون عنه رسالته في الماجستير (آلام الحلاج) أدت من خلال غناها وأسلوبها إلى حدوث تحول في الدراسات الخاصة بالعلوم الإسلامية.‏

ولكن انقلبت حياته رأساً على عقب خلال رحلته في الصحراء العراقية.‏

دخل السجن وكان عرضة فيه للسخرية من شذوذه الجنسي والاشتباه فيه بالتجسس والتهديد بالقتل، وقد حاول ماسينون الهرب ومن ثم الانتحار، ولكن في 3 أيار عام 1908 أذهلته تجربة روحية خاصة لم يتكلم عن تفاصيلها إلا في وقت لاحق بعد نصف قرن.‏

ومنذاك التاريخ عكف هذا المسيحي المتصوف الذي عاش (نشوة التخلي) على دراسة الإسلام، حضر ماسينون بصفة طالب دروساً في جامع الأزهر وجرى تجنيده عام 1914 وأرسل إلى الجبهة الشرقية، ودخل إلى القدس إلى جانب لورانس العرب مزيناً صدره بصليب الحرب دون أن يكظم غيظه خرق الغرب التزامهم للعرب بمنحهم مملكة مستقلة وعمل كمدرس بديل في كوليج دوفرانس وانتخب فيها عام 1926 أستاذاً لعلم الاجتماع وعلم الاجتماع الإسلامي، ساهم في مجلة العالم الإسلامي قبيل أن يصدر مجلته دراسات إسلامية.‏

ويصفه فرانسوا انجلييه بأنه كان عالماً غزير الإنتاج لدرجة أنه كان يصيغ نحو 25 رسالة في اليوم ولكنه لايملك شيئاً من دراسة الاستشراق، بل كان يكثر من رحلاته ومؤتمراته باللغة الفرنسية والعربية ويقوم بالصلوات العديدة وهي بالنسبة له تحمل الإحساس بالنفي والخروج من الذات.‏

وقد لام ماسينون مواقف بعض الغربيين السلبية من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى فيه أنه قام بنقل رسالته السماوية بصدق وأمانة.‏

أما فرانسوا ليفونيه يرى من جانبه أن ماسينون قد «أولى اللغة العربية مزايا خارقة كونها اللغة الطقسية الأخيرة التي توجه فيها الإله إلى بني البشر».‏

وأخذ على ماسينون أنه درس الإسلام من الداخل من أجل فهم الآخر، يقول: علينا أن نضع الآخر ضمن محور ولادته ولنأخذ الإسلام من أعلاه من التصوف ونجري مقارنة حينها بين الديانتين في نفس المستوى دون أن نقابل المثل الأعلى للمسيحية مع السلوك الإسلامي.‏

ويعود إليه إطلاق فكرة (البديل الروحي) التي أوحى له فيها الأب تشارلز فوكو إذ يرى أن مسيحيي الشرق لم يدخلوا في دين الإسلام بل دفعوا بدلاً لقاء حمايتهم وإقامتهم (الجزية).‏

ألم يصبح ماسينون هو نفسه «مسيحي الشرق»؟ فقد رسم نفسه راعياً كنيسياً حسب الطقوس الكاثوليكية اليونانية في القاهرة رغم أنه كان متزوجاً.‏

وفي عام 1946 تم انتخابه رئيساً لهيئة دمج العرب وعارض تقسيم القدس بعد إقامة إسرائيل وامتنع عن الطعام من أجل السلام في دول شمال إفريقيا ثم أصبح رئيساً لجمعية أصدقاء غاندي وانخرط في الكفاح السلمي ضد حرب الجزائر ورغم ذلك لم يكسب أصدقاء لجانبه، فقد تلقى صفعة على وجهه أفقدته بصره في عينه اليمنى قبيل بدء مؤتمر عن الأب تشارلز فوكو والذي أصبح صديقه والمؤتمن على أسراره وقد فكر بالانضمام إليه في صحراء المغرب، ولم يمنعه ذلك من المشاركة في معسكر للاحتجاج ضد المعاملة التي يقاسيها الجزائريون في فرنسا.‏

يعتبر ماسينون بالإضافة إلى كونه مسيحياً ملتزماً ومستشرقاً موضع نزاع وكاتباً عظيماً ذا أسلوب وقاد وعندما سألته صديقته اللبنانية نورا زلزل: متى ستنشر أعمالك العظيمة؟ أجابها: «عملنا الأعظم هو حياتنا وبالأخص موتنا».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية