وتكتسب قضية التجسس لصالح الكيان الاسرائيلي أهمية خاصة في ظلّ تفجُّر الجدل حولها بعد قرار الحكومة الفلسطينية بغزة تنفيذ أحكام الإعدام في حق الأشخاص الذين أُدِينوا بالتخابر مع الاحتلال، لا سيما أنّ هذا التطور ترافق مع تواتر الأنباء التي تؤكِّد سقوط المزيد من شبكات التجسُّس التي تعمل لصالح إسرائيل في لبنان، حيث كشفت هذه التطورات عن حجم الجهود الهائلة التي يستثمرها الكيان الصهيوني في تجنيد العملاء في صفوف العرب، وهي حرب تُدَار في السرِّ ومن وراء الكواليس. وإن كان هناك جهود أمنية تُبْذَل في كلٍّ من غزة ولبنان لمواجهة ظاهرة التخابر مع إسرائيل، فإنه مما لا شك فيه أنَّ إسرائيل تحاول دسّ عملائها في كل دولة عربية حتى لو لم تكن على تماس مباشر مع الكيان الصهيوني، وهذا ما يُفسِّر إلقاء القبض على عملاء لـ «الموساد» في كل من الجزائر واليمن وغيرها .
وفي قطاع غزة تبدو القضية أكثر تعقيدا بالنظر الى التماس المباشر مع العدو وتشابك حياة ومصالح الناس مع الاحتلال. وبعد انقضاء نصف المدة الممنوحة للعملاء من أجل التوبة، تحاول لجنة مكافحة التخابر في قطاع غزة توعية المواطنين في أكثر من لقاء للتنبيه إلى خطر هؤلاء على المجتمع المحلي وتطمين المتخابرين بالتعامل الجيد معهم في حال استجابوا وسلموا انفسهم وأدلوا بمعلوماتهم مقابل تخفيف العقوبة أو تبرئتهم بالكامل .
وفي هذا السياق اعلن محمد لافي أحد المسؤولين في لجنة مكافحة التخابر التابعة للحكومة في غزة ان ثلاثة من العملاء من منطقة واحدة سلموا أنفسهم للجهات المختصة و اعترفوا بكل ما قاموا به ويتم الآن التعامل معهم بشكل مدروس ليتخلصوا من وحل العمالة .
وأضاف لافي في لقاء نظمته اللجنة الوطنية «لمكافحة التخابر مع العدو» مع وجهاء وشخصيات في نادي خدمات محافظة خان يونس أنه تم الكشف عن كثير من العملاء الموجودين في قطاع غزة، و هم معروفون جيدا لوزارة الداخلية وأنها أطلقت هذه الحملة لتكون الفرصة الأخيرة لتوبتهم قبل فوات الأوان، مذكراً أن نصف المدة التي منحتها الوزارة المقالة لإعلان التوبة قد انقضت، و بعد انقضاء المهلة لن ينفع الندم على حد تعبيره.
وشدد على أن هناك توجها لدى الحكومة لإنهاء ظاهرة التخابر مع الاحتلال بشكل كامل، داعيا المجتمع المحلي والمؤسسات والنقابات بالمساهمة للحد من هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، حذر مسؤول أمني فلسطيني رجال المقاومة الفلسطينية من استخدام أو حمل الهاتف الجوال أثناء العمل في المقاومة أو غير ذلك بسبب مراقبة المخابرات الاسرائيلية لهذه الأجهزة وتعقب حامليها للتنصت عليهم واستهدافهم. وقد تحدث عدد من العملاء اثناء اعترافاته أن ضابط المخابرات الصهيوني يطلب باستمرار أرقام جوالات المقاومين أو ممن يشتبه لاعملهم في المقاومة أو مساندتها لأن المخابرات الاسرائيلية تتنصت على الجوالات وترصد تحركات المقاومين من خلالها.
وباعترافات احد العملاء أن ضابط المخابرات كلفه بملاحقة أحد المقاومين في مدينة غزة وتصوير سيارته، وأخبره أن الهدف سيصل أحد الأماكن الساعة الواحدة ، وبالفعل مع الساعة الواحدة وصل الهدف المرصود للمكان المحدد ، وتم تصوير سيارته بواسطة الجوال من قبل العميل المذكور. وعند سؤال العميل كيف عرف الضابط الموعد قال حدث معي ذلك أكثر من مرة عند مراقبة مقاومين آخرين وعرفت بعد ذلك من الضابط أن جوالات شباب المقاومة تقع تحت الرصد والتنصت.
وتمثل أجهزة الهاتف النقال الجاسوس الأصغر في جيب المقاوم ولو قارنا بين الجاسوس البشري والجوال لوجدنا أن الجوال من أهم حلقات المتابعة الأمنية بالنسبة للمخابرات .
وكانت وزارة الداخلية بحكومة غزة أعلنت عن فتح باب التوبة للعملاء في إطار « الحملة الوطنية لمكافحة التخابر مع العدو « التي تعد الأولى من نوعها فلسطينيا وتأتي في إطار عمل أمني توعوي للمواطنين وتحذيرهم من الوقوع في وحل العمالة مع الاحتلال.
يشار إلى أن العدوان الأخير على غزة في العام 2008 / 2009 اعتمد فيه الاحتلال بصورة كبيرة على خلايا العملاء لتزويد « بنك المعلومات »الذي تحدث عنه بالأهداف وأدى ذلك إلى انكشاف عدد منهم وتصفيتهم أو وقوعهم في يد الأمن الداخلي مما أثار حالة استياء وجدل داخل المؤسسة الأمنية الصهيونية.