تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حينما ينتمي العرب لقضاياهم ومصيرهم

شؤون سياسية
الخميس 1-7-2010م
بقلم: د. أحمد الحاج علي

ليست قضايانا الكبرى هي الهم ومصدر القلق فحسب لقد صارت وسائل تفاعلنا مع هذه القضايا هماً أكبر ودخلت هذه السوائل وكأنما هي جزء من الأزمة العربية العامة بدلاً من كونها جزءاً من حل الأزمة العربية العامة وللأمر هذا مقدماته ومصادره بالتأكيد،

ذلك أن القضايا الكبرى لم تعد في عالم اليوم مجرد أطر عقائدية أو سياسية واضحة المعالم متداولة بالمعنى التاريخي، لقد صار لكل قضية مضمونها والعلاقة معها ووسائل التعاطي والتفاعل مع حيثياتها وإيقاع حركتها وظرفها المتغير، كان السؤال سابقاً: كيف تستطيع الأمة أن تبقي قضاياها على قيد الحياة؟ وقد حققت الإجابة على هذا السؤال جزءاً حيوياً من التعامل، هو الذي أبقى قضايانا العربية على قيد الحياة وفي الذاكرة ومن ثم في التداول مع الآخرين ولكن تأطير القضايا في حدود الذات قد لا يسعف كثيراً في تحريكها واستخلاص استحقاقاتها من المغتصب أو المدعي أو المتخفي وراء نزعته السرية المتربصة بنا وبقضايانا، ومن هنا تطور السؤال من سؤال القضية بذاتها إلى منظومة الأسئلة المتصلة بآليات ومناهج وعي هذه القضايا وكيفية تفعيلها ودفعها والاندفاع بها، ومن هنا برز السؤال التالي: وهو كيف نتعامل نحن العرب مع قضايانا الكبرى، ونكاد نحقق إجماعاً غير مقصود في ضعف أو اضطراب أو تدني مستوى التعامل مع هذه القضايا، والاحتكام للسلوك الظاهر هنا لا يكفي لتفسير ظاهرة التقصير أو الاضطراب العربي في التعامل مع القضايا المهمة ومع ذلك فإن الأداء العام في التعامل مع هذه القضايا هو مؤشر حيوي ولابد من احتسابه في منهج النقد والتقويم وفي البحث الذي يجب ألا ينقطع أو يتوقف عن الأسباب الجوهرية لمثل هذه الإشكالية، والأصل أن يقوم التفاعل العربي مع القضايا الكبرى على قواعد أربع هي التي تستدرج إلى منطقة الوعي الدوافع والمؤشرات التي توضح الغامض وتجلو المظلم وتعطينا الملامح الأولى للإجابات الحقيقية، أما القاعدة الأولى فهي أن تبقى علاقتنا مع قضايانا باعتبارها مصيرنا وباعتبارنا مصيرها، بمعنى ألا تحدث بدايات شرخ وافتراق بيننا وبين قضايانا وألا نتوهم بأن هذه القضايا يمكن أن تنفصل عنا أو ننفصل عنها تحت أي اعتبار وفي وطأة أي ضغط يقوم على إجهاض فكرنا وتفكيرنا في القضايا بطريقة الاستبدلال المقصود أو بطريقة استخدام النكسة كمؤشر على عدم جدوى التزامنا بهذه القضايا، إن القاعدة المعافاة والمنتجة تتجسد في فكرة بسيطة مشرقة تقول: إن قضايانا هي ملكيتنا الخاصة والعامة، الفردية والجماعية الراهنة والمستقبلية وبالمقابل فنحن ملك لهذه القضايا ومن العبث بل من الخيانة المعتمدة أن نبحث عن حلول أو مخارج ذاتية بعيداً عن هذه القضايا، ومن الغريب المؤلم في الوضع العربي أن تجري عملية الاعتداء (العربي) على هذه القضايا بطريقة التجاوز أو التهميش أو التنازل أو المزايدة أو البيع والشراء في سوق النخاسة العالمي، في حين يرتفع مستوى الأداء عند الآخرين إلى درجة الاعتناق والاعتقاد لقضايا لديهم لا تعدو كونها مطامع واستراتيجيات وأوهاماً ومصالح وادعاءات يرفضها التاريخ وترفض هي ذاتها التاريخ.‏

والقاعدة الثانية في تعاملنا العربي مع قضايانا لابد أن تتجذر بصورة مستمرة من خلال الواقع المشترك والتحدي المشترك والمصير المشترك، إن كل العرب هم في دائرة المسؤولية وكل العرب هم في الاستهداف، وكل العرب هم في موقع الخطر والتلاشي، وهذه الفكرة المؤسسة في التعامل تؤمن القواسم المشتركة والحدود الدنيا من الالتزام والمسؤولية وتعطينا في المدى ذاته هذه الرؤية التي لا تندرج في التقسيمات السياسية والحزبية والعشائرية والعائلية، إن الخطر القائم أو المحتمل لا يفرق بين موقع عربي وآخر إلا على قدر ابتعاد هذا الموقع أو اقترابه من الموقف السياسي لهذا المعتدي أو ذاك، وفي عمق هذا المعنى سوف نستدل على عوامل القوة وأسباب وحدة الموقف ونكتشف بأننا أمة في عين العاصفة ولكنها أمة تتشكل في أعماقها على مقومات وعوامل مشتركة هي بمثابة الخزان الذي لا ينضب لكي لا ننحرف عن قضايانا ولا نتركها تحت رحمة الظروف وتحت تصرف الآخرين.‏

والقاعدة الثالثة الناظمة لإيقاع الوعي والاستيعاب لقضايانا العربية تقوم على فكرة أن هذه القضايا حية بأصلها والنتائج المنوطة بها هي ليست خلافات مع الآخر وليست مجرد إشكالات كما يحدث في بقاع كثيرة من العالم، قضايانا وجودنا وهويتنا وحضورها مبعث أمننا واطمئناننا والخروج عليها أو خروجها منا هو كارثة قومية ووطنية متحققة، ومن هنا كان لابد من أن تبقى هذه القضايا في المنسوب الحيوي، حية الأبعاد متحركة بذاتها محركة لغيرها مطروحة علينا وعلى الآخرين وهي بالمحصلة معيار دقيق وأمين لمستويات تعاملنا مع ذاتنا أولاً ومع التاريخ ثانياً ومع القوى العالمية صديقها وعدوها ثالثاً، ولا يحدث ذلك لمجرد الرغبة أو الأمل، فعند هذه القاعدة لابد من توطيد الإرادة وإدماجها مع القضايا الكبرى وتأمين الصياغات الفكرية والسياسية والتنظيمية اللازمة لكي تؤمن لهذه القضايا قوة الاستمرار وقوة التأثير معاً، لابد أن يشعر العالم كل العالم أن القضايا العربية الكبرى وفي مقدمتها الوحدة واستعادة الحق وتحرير الأرض المحتلة والبناء العربي المتكامل ورسالة العرب تحت شمس عالم اليوم الصعب والجامح والغامض، كل ذلك وسواه يجب أن يشكل منظاراً ومعياراً عند الآخرين أساسه أن الأمة حية وقضاياها حية وهي تعرف كيف تتداخل مع العالم ولكنها لا تملك قابلية أو حق التنازل عن مجمل عناصر ومكونات هذه القضايا الكبرى، من الواضح أن المناهج الخارجية والاستراتيجيات الخارجية تعتمد أساساً على احتمال فك الارتباط بين العرب وقضاياهم وتعميم حالة العداء بين العرب والعرب واستبعاد منطق رسوخ القضايا العربية باعتبارها ملكية الأجيال كل الأجيال العربية إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها.‏

وتبقى القاعدة الرابعة وهي التي تشتمل على مزايا وخصائص آليات التعامل مع القضايا العربية بمنطق حيوي وعلى مفهوم الحركة وتلبية الحاجات السياسية والمسلكية لأي موقف على مستوى الذات أو على مستوى سلوك الآخرين في الإقليم المحيط أو على امتداد العالم من قضايانا والخاصية الحيوية في الموقف هي امتياز أخذ مشروعيته من إيقاع العصر ودرجة التطور فيه ومستوى الديناميكية في الحركة والتحرك، إن عدالة القضايا ومشروعيتها عنصر مهم بالتأكيد ولكن الآفاق المعاصرة في سياسات الدول الكبرى وفي مفهوم الأمن الوطني أو القومي لكل دولة تقوم أساساً على شرطين متلازمين أولهما الاندفاع خارج حدود الإطار الذاتي والامتداد بالمفهوم الأمني والمصلحة المباشرة إلى أعالي البحار ومجاهل القارات وأقاليم التجمعات البشرية أينما كانت، لقد أدى التطور العلمي والتكنولوجي كل مهامه في صياغة مفهوم الأمن المتحرك العابر للحدود والمتعدي للقيود والقائم على إيقاع الحركة المتزايدة والمتسعة، أما الشرط الثاني فهو أن توظف في خدمة السياسات وسائل العلم ومقدرات الاقتصاد ومنظومة الفكر والثقافة جنباً إلى جنب مع الإنتاج الاقتصادي ولاسيما في نسقه الاستهلاكي، في النصف الأول من القرن العشرين طرحت فكرة سدّ الفراغ وكان صاحب هذا المبدأ أيزنهاور، أما اليوم فتجاوز المنطق حدود ملء الفراغ إلى مستوى آخر هو ملكية المناطق الفارغة وحق استثمارها من أقوياء العالم، والذرائع في ذلك كثيرة بالتأكيد وليس آخرها ما ادعته الولايات المتحدة الأمريكية من أنها تحارب الإرهاب وتحمي العالم من خطر أسلحة التدمير الشامل، ولهذا كان لابد من احتلال أفغانستان والعراق ولهذا كان لابد من هذه السلسلة المهينة والمكشوفة من قوة وتنوع الدعم الغربي للهمجية الإسرائيلية. إن أخشى ما نخشاه هو أن يتم احتساب الواقع العربي على أنه واقع في الفراغ، فراغ العرب عن قضاياهم وفراغ العرب عن مصيرهم المهدد وفراغ العرب عن وجودهم القومي، ذلك هو منطق الشيطان وتلك هي وسيلته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية