ونتيجة لذلك تسابقت الدول لامتلاك هذه الوسائل وبرمجتها بما يخدم مصالحها وأهدافها وبالشكل الذي يجذب الجمهور ويؤثر فيه.
وللأسف الشديد كانت الساحة العربية مجالاً واسعاً لتلقي ما تبثه هذه الوسائل ضمن مخططات غربية وصهيونية تهدف إلى تضليل المواطن العربي وتشتيت تفكيره بما يؤدي إلى اهتزاز الرأي العام وجعله غير قادر على تحديد موقفه في الاتجاه الصحيح الذي يتوافق مع المصلحة الوطنية والقومية وخاصة في القضايا الكبرى التي لا يجوز على الإطلاق الاختلاف عليها وفيها .
وعلينا أن نقر بأن عدونا حقق نجاحات كبيرة في هذا المجال من خلال اهتمامه الكبير في استغلال التطور السريع في وسائل الإعلام في حربه النفسية التي يخوضها ضد أمتنا العربية.
فبعد أن كان يعتمد على بث الأخبار الكاذبة والحكايات الملفقة بإذاعته، استطاع أن يخترق بعض الوسائل الإعلامية العربية ويجند بعض المثقفين والكتاب لتقوم بأدوار خطيرة تكرس الفرقة وتعمق الخلاف .
إن الرأي والرأي الآخر لازم في الإعلام كما هو لازم في السياسة بل ولازم في كل مناحي الحياة، ولكن لايجوز بحال من الأحوال أن يخرج عن المنطق ويتجاوز مصالح الأمة ويأخذها إلى أبعاد لا أفق لها .
وهذا ما نلمسه ونشاهده في بعض المقالات التي تنشرها بعض الصحف العربية وفي بعض البرامج التي تقدمها بعض الفضائيات العربية، وخاصة تلك البرامج الحوارية التي يسعى معدوها إلى استضافة الأضداد (كما يرونهم) الذين يدخلون في صدامات كلامية تخرج في كثير من الأحيان عن قواعد أدب الحوار ويطرحون المتناقضات التي تشوش المشاهد العربي وتدفعه إلى اليأس والحيرة .
وآخر ما سمعته ضمن هذا الإطار ما قاله أحد الإعلاميين في برنامج حواري لإحدى القنوات الفضائية العربية، الذي حاول جاهداً الاعتماد على طروحات قد تبدو للمشاهد العادي أنها منطقية- للتشكيك في المواقف الإيرانية والتركية بشكل يسيء إلى العلاقات الأخوية بين العرب وهذين البلدين اللذين وقفا إلى جانب الحق العربي في مواجهة إسرائيل، وبالغ في تشكيكه لدرجة بعيدة عن منطق التحليل السياسي والعلاقات بين الدول والشعوب، ونسي أو جهل أن الحكمة في السياسة تقتضي البناء على ماهو إيجابي وتتجاوز قصص الماضي للعبور إلى مستقبل أفضل يحقق مصالح الجميع بشكل متوازن .
وهنا لابد من الإشارة إلى أن البعض يقع في الفخ من حيث لا يدري فيطرح مالا يجب طرحه في مكان ما وزمان ما ..
وأعتقد أن قضايا العرب الاستراتيجية لايجوز أن تبقى ضمن دائرة الأخذ والرد والسجال ، فلابد من الاتفاق عليها ضمن إطار الجامعة العربية وفق رؤية إستراتيجية شاملة تضعها النخب الفكرية والثقافية من مختلف الدول العربية وتعرض على الهيئات السياسية والاقتصادية بكافة مستوياتها .
أعود إلى الإعلام وأقول إن واقع الإعلام العربي عموماً لا يخدم العرب وقضاياهم، بل في كثير من الأحيان والمواقع يخدم أعداء العروبة ويساعدهم في بث سمومهم وأفكارهم.
وهذا ما يتطلب العمل الجاد لوضع خطاب إعلامي عربي وميثاق شرف تلتزم به كافة وسائل الإعلام العربية الرسمية والخاصة للحد من هذه الفوضى التي نشاهدها .
وعلينا جميعاً أن نتصدى لهؤلاء المارقين من المثقفين والكتاب الذين باعوا أنفسهم وأقلامهم وضميرهم .