وهكذا تتجمّع خيوط وخطوط المشهد لترسم صورة لوحة تصادمية قادمة على الطريق.
قد يقول قائل هي سنّة الحياة، وهي قانون من قوانين الزمان، جديد يحلّ مكان القديم، وهذا الشيء حفظناه في مدرسة الحياة، حين علّمتنا الأرض أنّ الشجرة تعطي ثمارها فترة ما من الوقت، ثمّ تظهر عليها أعراض الشيخوخة، فيصاب عطاؤها بالهمود، وهذا الخريف الملوّح بالشحّ يعني إنذاراً برحيلها القادم.
عشنا مع تجارب الحياة صغيرها وكبيرها، وقرأنا في كتب التاريخ عن نشوء وازدهار حضارات، ثمّ تنحّيها عن مسرح التاريخ مفسحة المجال لحضارات وليدة تريد أن تأخذ مكانها، بعد أن شعرت بأنّ المكان مهيّأ لها.
ومن المؤسف أنّ الكثير من الانتقادات التي تتوجّه بسهامها إلى الفكرة الجديدة تصدر عن رأي متعصّب، يصرّ على صلاحيّة الفكرة القديمة، وعندما يضعها في العلبة ويخرجها من مصنع الدماغ بعد أن تصبح صالحة للاستهلاك، يصرّ على عدم كتابة تاريخ الصلاحيّة على أسفل العلبة، لأنه يعتقد أنّ فكرته أقوى من عوامل الزمن، وقادرة على مقارعة الهرم والشيب والانتصار عليهما انتصاراً مدوّياً.
هذه السهام تحاول جاهدة استقطاب عدد من الذين يبدو لها أنهم قابلون للتصنيف في زمرة تأييدها دون أن تسأل نفسها، هل ينطوون تحت راية الراغبين في الحصول على هذا الثبات الذي يتحرّك بسرعة عالية ليصبح نوعاً من الجمود المقيت، ذلك الجمود الذي يتجاوزه العصر لأنه يصرّ على العيش خارج حدود العصر؟!
ونزولاً عند رغبة الجميع تستمرّ المكابرة، ولا أدري من أين شعرت الفكرة القديمة المتحجّرة بوجود هذه الرغبة، وعن أي سراب تتحدّث وتسبغ عليه الصفات البديعة بأنه ماء عذب زلال؟!
أحبّت الفكرة الجديدة التدخّل في الوقت المناسب، لتخفيف الأمل الذي أصبح ألماً، أمل انزياح الفكرة الجديدة لصالح الفكرة القديمة كراهية أو طوعاً، والكراهية سبقت لأنّ الفكرة القديمة لم تبدِ ارتياحاً للجديدة، هل نسمّي ذلك غيرة، تحسّراً على عزٍّ غابر؟
لم تكن المشكلة في الاسم بل في العقلية الجامدة المتحجرة.
قانون سار نهره في الحياة، وانسابت مياهه التي لا نستطيع أن نستحمّ بها أو فيها مرّتين لأنها تتجدّد كلّ لحظة، انسابت بعفويّتها، لكنّها ستكشّر عن أنيابها مهدّدة بإزاحة كلّ من يعترض خطّ سيرها.
مرحباً بالفكرة الجديدة التي تحمل معولاً تريد به هدم ما عفى عليه الزمن ولم يعد صالحاً للاستعمال لتقيم مكانه بناءً عصرياً مفيداً، وعلى الفكرة القديمة التي نحمل لها كلّ احترام وتقدير أن تسلّم بالأمر الواقع، فلا تشكّل عنصر إعاقة، وعليها أن تقبل بالواقع الجديد فلكلّ زمان دولة ورجال.
وعلى أساس هذا التفاهم يقوم البناء الجديد دون أن يلحق الإساءة بالبناء القديم، ومن تناغم الحركتين تتولّد أشكال فيها ما فيها من الروعة والجمال ليبقى وجه الحياة جميلاً.