وبالتالي فإن أي طارئ أو حدث أو أزمة تصيب المجتمع من شأن تداعياتها أو ارتداداتها أن تضرب الشباب كأول ضحية لها داخل المجتمع، حيث تتباين تلك التداعيات بين الآثار النفسية والآثار الجسدية والمجتمعية بشكل عام، التي تظهر على شكل ردات فعل نفسية وسلوكية في اغلب الأحيان، ويشكل الهروب من المواجهة والاستسلام للواقع والتقوقع داخل الحزن والهموم ابرز تلك التداعيات، ويتصدر العزوف عن الزواج سلم تلك التداعيات والآثار السلبية التي تصيب فئة الشباب.
ارتفاع الأسعار..
إياد جديد شاب في التاسعة والعشرين من العمر أرجع السبب الرئيس لعزوفه عن الزواج حتى الآن إلى أسباب كثيرة أهمها برأيه هي عدم امتلاكه منزلاً، مضيفا أن الأزمة زادت من الطين بلة، حيث قضت على آخر ما تبقى من أحلامه بالحصول على منزل بعد أن ارتفعت الأسعار والإيجارات بشكل جنوني والى حدود غير مسبوقة في تاريخ سورية، وحمل إياد مؤسسات الدولة المعنية بضبط الأسعار كامل المسؤولية لأنها أسهمت بطريقة أو بأخرى في تدمير أحلام الكثير من الشباب.
الحالة المادية ..
من جهتها قالت نبال الحسن وهي فتاة في الخامسة والثلاثين من العمر إن سبب عزوفها عن الزواج يعود ببساطة إلى عدم عثورها على شاب يحقق لها أحلامها وطموحاتها، مضيفة أن اغلب الشباب الذين تقدموا لخطبتها كانت حالتهم المادية متواضعة جدا وكانوا في معظمهم لا يملكون منزلا أو حتى مردودا ماديا مناسبا يلبي متطلبات وأعباء الحياة التي تتزايد وتتضاعف يوما بعد يوم .
غلاء المهور ..
بدوره قال بسام جديد ( مهندس ) إن السبب الرئيس وراء انتشار ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج يعود إلى متطلبات أهل العروس المبالغ فيها أحيانا والخيالية في كثير من الأحيان والتي تبدأ بالمنزل ولا تنتهي بالسيارة، وفي معرض سؤالنا عن تأثير الحرب على هذه الظاهرة أجاب بسام أن الحرب التي تشن على سورية قد تكون ساهمت بشكل أو بأخر في انتشار تلك الظاهرة نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل خيالي وجنوني لكن الأزمة موجودة منذ زمن في مجتمعنا بسبب تلك العادات والثقافات المستوردة من الخارج والتي تهتم بالماديات ولا تعير انتباها للقيم والمبادئ والأخلاق التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية.
الشريك المناسب ..
من جانبها قالت نسيبة حمدان في الثلاثين من العمر إن سبب عدم زواجها يعود بالدرجة الأولى إلى عدم إيجاد الشريك المناسب خاصة أن الأزمة التي تمر بها سورية قد أثرت على نفسية الشباب بشكل عام وقضت على الكثير من أحلامهم في ظل الارتفاع الكبير للعقارات والإيجارات وغرف النوم ومختلف لوازم ومتطلبات الزواج التي يعجز معظم شبابنا اليوم عن تحقيق أياً منها.
كيف نواجه ..
لكن السؤال الكبير الذي يدفع بنفسه إلى الواجهة في ظل تفاقم هذه الظاهرة بشكل ملفت، هو كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة والتصدي لها في ظل هذه الظروف العصيبة التي يعيشها الوطن ؟ ، ورغم أن الإجابة قد تكون معقدة وصعبة وشائكة لتحمل أكثر من طرف المسؤولية عن انتشار هذه الظاهرة إلا أن محاولة الإجابة على ذلك السؤال قد تكون بداية صحيحة وخطوة جادة وحقيقية نحو مواجهة هذه الظاهرة ومعالجتها بشكل جذري شرط توافر إرادات حقيقية ونيات صادقة وجهود كبيرة من مختلف الإطراف المسؤولة عن انتشار هذه الظاهرة التي كانت في بداية انتشارها قبل بدء الحرب على سورية التي ساعدت في تكريسها وتعزيزها وانتشارها بشكل ملفت، بدءا من الدولة والمجتمع ومرورا بالأسرة وصولا إلى الشباب نفسه، مع ضرورة الانتباه إلى اختلاف طبيعة الأدوار والمهمات التي يجب أن يضطلع بها كل طرف بحيث لا يطغى أي طرف على الأخر و ألا يحمل كل طرف المسؤولية إلى الطرف الأخر وألا يحمل أي طرف من الأطراف مسؤولية اكبر من قدرته وحجمه، فيها كما هو حاصل اليوم حيث يلقي كل طرف من الأطراف المسؤولية واللوم على الأخر بهدف التهرب والهروب من المسؤولية وعدم الاعتراف بالخطأ ومواجهة الحقيقة.
تحمل المسؤولية ..
السائد في مجتمعنا اليوم وفي ظل هذه الظروف العصيبة هو إلقاء اللوم والمسؤولية على الدولة التي بحسب البعض الكثير لا تضطلع بمسؤولياتها و واجباتها تجاه مواجهة هذه الظاهرة التي بدأت تستفحل بشكل كبير ومضطرد، بل على العكس تماما فقد ألقى الكثير ممن التقيناهم بالمسؤولية الكاملة على مؤسسات الدولة المعنية التي شكلت برأيهم إحدى ابرز الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، انطلاقا من كونها لم تقدم أي مبادرة تسهم في فتح الباب أمام الشباب للإقبال على الزواج ( غياب مبادرات الزواج الجماعي وغياب دور الدولة بشكل أساسي في تسهيل أمور الزواج من خلال تخفيف أعباء ومستلزمات الزواج و تأمين مساكن للشباب الراغبين بالزواج، وغياب خلق مناخات مبدعة وخلاقة لدعم الشباب الراغبين بالزواج )، بالإضافة إلى عدم وجود حملات توعية إعلامية وثقافية تدعو مختلف الأطراف إلى لتحمل مسؤولياتهم والاضطلاع بها على أكمل وجه والتعامل مع الواقع كحالة استثنائية يتوجب على السوريين جميعهم التلاحم والتعاضد والتكاتف لمواجهتها والتصدي لها عبر بث مشاعر المحبة وروح التعاون والتآزر.
التمسك بقيمنا الأصيلة ..
وبالتالي دعوة الأهل والأسر إلى تحمل مسؤولياتهم في الاتجاه كطرف أساسي لمواجهة هذه الظاهرة وخاصة أهل الفتاة المقبلة على الزواج الذين تكون واجباتهم ومسؤولياتهم اكبر من أهل الشاب كونهم الطرف المؤثر والمتحكم بإجراءات وطبيعة وشكل الزواج، لجهة التخفيف من متطلباتهم والاكتفاء بما هو موجود مع الشاب المتقدم للزواج بابنتهم دون النظر إلى الماديات ومراعاة حسن وأخلاق وأصل ومنبت الشاب، وبالتالي إعادة إحياء هذه الثقافة التي تكتفي بالأصل الطيب وحسن الخُلق والتي لا تعير انتباها للماديات، تلك الثقافة التي طمستها وشوهتها ودفنتها الماديات المفرطة والعادات والثقافات المستوردة التي شوهت قيمنا ومبادئنا وثقافاتنا التي تربى عليها آباؤنا وأجدادنا الذين كانوا ابعد ما يكونون عن الماديات وإغراءاتها وشياطينها .
ما نخلص إلى قوله انه يتوجب على جميع الأسر الواعية والوطنية المخلصة والمحبة لوطنها وقيمها ومبادئها والتي يهمها أمر شباب هذا الوطن أن يضطلعوا بمسؤولياتهم بجدارة و وطنية صادقة، بعد أن كثر وتضاعف أعداء الوطن الذين لا يزالون يحاولون يائسين ضربه واغتياله عبر استهداف شبابه الذين يشكلون عماد الوطن وركيزته الأساسية الذين يتوجب على كثير منهم أن ينهضوا بهممهم ومعنوياتهم عاليا بعيدا عن الخضوع والخنوع والاستسلام للواقع الذي لابد له أن يتغير نحو الأفضل مهما طال الزمن، حتى لا يجرفهم تيار الأعداء، وأن تكون قدوتهم في البسالة والشجاعة والمواجهة أشقائهم وأقرانهم في بواسل قواتنا المسلحة الرابضين كالجبال على خطوط النار حتى يتعلموا منهم الصبر والصمود أمام المحن والصعاب والمستحيل الذي انحنى أمام صمودهم وشموخهم.