مئة عام مرت ومازال صانعو المأساة الفلسطينية بريطانيا ومن على شاكلتها الاستعمارية متواطئين مع الكيان الصهيوني الذي زرعوه عنوة في منطقتنا واعراب النفط الذين باعوا فلسطين تاريخياً متواطئون وضليعون بالمؤامرة ليس على فلسطين المحتلة وحسب بل لتفتيت المنطقة العربية برمتها وتمزيقها خدمة لحليفتهم «اسرائيل» مناصبين العداء لمحور المقاومة لأن بوصلته تحرير كل فلسطين يجاهرون بكل وقاحة عن انبطاحهم وولائهم للعدو الصهيوني .
فما يجري في سورية اليوم والحرب المعلنة عليها تقف وراءه «اسرائيل» ودول التآمر والهيمنة العالمية لدورها المقاوم ولصمودها في وجه مشاريع ومخططات الاحتلال و داعميه في المنطقة الذين يريدون المنطقة العربية تابعة لسياسات الغرب الاستعماري ,و ما التآمر على سورية الا لاستهداف محور المقاومة في المنطقة والذي أثبت ومازال أنه قادر على التصدي لكل المخططات المشبوهة ومستمر في مواجهة ما يحاك للمنطقة من مشاريع تستهدف تفتيتها والمستمرة منذ وعد بلفور المشؤوم الى يومنا هذا .
خلفية تاريخية
بدأ وعد بلفور كفكرة راودت الصهاينة بدأت فصولها تبرز في مؤتمر بازل سنة 1897 وعملت بكل ما أوتيت من مكر وخديعة لأخذ تعهد من الدول الاستعمارية الكبرى لتحقيق مرادها في اغتصاب فلسطين وتشكيل بؤرة استيطان صهيونية وجاء الوعد البريطاني المشؤوم أشبه بنقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية لذا اندفع الصهاينة بعده لتوحيد جهودهم ومضاعفتها بعد أن وجدوا دولة كبيرة بحجم بريطانيا تتحمس لمشروعهم لذا تقدموا ببرنامج خاص لإدارة فلسطين وتوطين الصهاينة فيها فكانت فكرة تأسيس الوكالة اليهودية وتأسيس شركة ذات امتياز لشراء الأراضي وتوطين الصهاينة المهاجرين إليها ثم قامت بريطانيا بإدخال وعد بلفور في وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين الصادرة من عصبة الأمم متواطئة في ذلك مع الدول الكبرى ليسري العمل بهذا الوعد بصفة رسمية وعلنية وبغطاءٍ مِن عصبة الأمم لتكتمل بذلك المؤامرة على العرب والشعب الفلسطيني.
باندلاع الحرب العالمية الأولى توافرت الاجواء الدولية الملائمة لتنفيذ الايدولوجيا الصهيونية وذلك بإنشاء وتحقيق كيان يجمع شتاتهم المبعثر على امتداد القارات ولو حصل ذلك على حساب الشعوب الاصلية ، وبدت بريطانيا الامبراطورية الوحيدة القادرة على تنفيذ هذا الالتزام لعدة أسباب منها أنها الدولة الأوروبية الاكثر ظهورا على الواجهة الإمبريالية وأظهرت توجها نحو المنطقة العربية منذ وقت مبكر ما أهلها لأن تكون الرحم الحاضن للأجندات الصهيونية لينمو هذا الجنين الصهيوني في رحم الدولة البريطانية منذ عام 1905 وقبلها بعدة سنوات شهدت تدشين بعض الشركات الصهيونية الأولى الهادفة الى ايجاد بقعة للصهيونية على ارض فلسطين.
وباجتهاد خبيث من كبار منظري الصهيونية لكسب الغطاء البريطاني للكيان الصهيوني المقترح بدأت عملية المغازلة الصهيونية مع بريطانيا وتحايلوا بأن توطين عنصر تابع لبريطانيا في فلسطين يمكن أن يشكل سدا منيعا يوفر الامان لقناة السويس ويحرس لبريطانيا مواصلاتها الى الهند والشرق الأدنى، في مقابل تلك الخدمات العظيمة خفض الصهاينة مطالبهم في أن تخوض بريطانيا الانتداب على ارض فلسطين وتسهل اقامة وطن قومي للصهاينة وأصروا على ضرورة أن يكون محاطاً بالغطاء الشرعي آلا وهو الاعتراف الدولي.
حينما اصدر وعد بلفور في عام 1917 كان هو الرابط الذي وثق الصهيونية وبريطانيا بالشكل الرسمي حيث كانت تعتبر بريطانيا في ذلك الوقت اقوى دولة استعمارية في العالم ؛وبنجاح المكر الصهيوني في إقناع بريطانيا بتشابه مصالحها مع الغاية الصهيونية جعل بريطانيا تنفذ التزامها .
بذور فكرة إنشاء كيان للصهاينة
لم يندمج اليهود في أي من الدول الغربية التي سكنوها ووفدوا اليها وكانوا دائما مصدر قلق للساسة الاوروبيين تخوفاً منهم ومن تنامي النفوذ المالي والاقتصادي للكثيرين من رأسماليهم وبقي العامة منهم في غيتوات منفصلة يناصبون العداء والكره للأخرين من هنا بدأ كبار الصهاينة من منظرين ورجال اعمال متنفذين يستغلون هذا الوضع وبدأت تتبدى غاياتهم وأطماعهم بالترويج لحل يكون فيه مصلحتهم ويستطيعون فيه الحصول على الدعم من الدول الاوروبية التي كانت ترى في الوجود اليهودي على اراضيها عامل عدم امان وعدم ثقة وقنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأي لحظة .
بدأ اصحاب النفوذ الصهاينة يستثمرون في هذا المجال وبدأ المنظرون الصهاينة يعزفون على هذا الوتر بطرح حلول تخدم مطامعهم من ابرز الحلول التي سوقوها وعملوا على تشجيعها كان الحل الذي اقترحه موزس هس ابرز المروجين الصهاينة لفكرة اقامة وطن قومي لليهود هو العمل على تَهجير هذه الفئات خارج أوروبا أو بتعبير آخر تبنّي المشروع الصهيوني الذي شجعته البرجوازية اليهودية التي كانت تسعى للتخلص من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن سوء أوضاع الفئات اليهودية التي كانت تفد إلى دول أوروبا ولم تنصهر في المجتمعات الغربية كما أن نجاح تطبيق هذا الحل بإنشاء كيان يهودي سياسي في فلسطين تحت حماية إحدى الدول الأوروبية الكبرى يهيئ المجال لوجود مستوطنين عملاء لتلك الدولة الكبرى يتفانَوْنَ في خِدْمة مصالحها الاستعمارية ومما أورده هس حول هذا الموضوع قوله: «.. إن الدول الكبرى لن تعارض إطلاقًا إنشاء وطن لليهود في فلسطين طالما أنَّ ذلك يضمن لها التَّخلّص من شعب غريب شاذ يسبب لها مشاكل كثيرة».
مؤتمرات الصهيونية والتآمر الغربي على فلسطين
في عام 1896 قام تيودور هرتزل باقتراح حل للمشكلة في كتابه «دولة اليهود» اذ اقترح تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين اما المكان فلم يكن له اية اهمية في نظر هرتزل الذي كان امام ان يختار مقرا لشركته الاستعمارية ذات الامتياز وجنين الدولة المقبلة بين الارجنتين وفقا لاقتراح البارون اليهودي هيرش وبين اوغندا التي اقترحتها بريطانيا غير ان هرتزل فكر بإبلاء فلسطين الافضلية لغرس الكيان الصهيوني فيها بناء على التعاليم اليهودية لاجتذاب «عشاق صهيون»و في 1897 عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا حين أوصى «برنامج بازل» استعمار فلسطين و تأسيس الحركة الصهيونية العالمية وعقد المؤتمر الرابع للحركة الصهيونية في 1904 و قرر تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين لكن في العام 1906 قرر برلمان الحركة الصهيونية أن يكون الوطن القومي لليهود في فلسطين.
وتواصلت مساعي الحركة الصهيونية للحصول على وعود من الدول الاستعمارية الكبرى بإنشاء وطن قومي لهم حتى كان لهم ذلك في 2 تشرين الثاني 1917 حين قامت الحكومة البريطانية بإصدار «وعد بلفور» في هيئة رسالة من وزير خارجيتها جيمس آرثر بلفور إلى زعيم الحركة الصهيونية وتعهد فيها وزير الخارجية بأن تقوم حكومة مملكة بريطانيا بالعمل بأفضل ما يمكنها من أجل تحقيق هدف تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918 بدأ الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني وفق قرارات عصبة الأمم ووفق وعد بلفور وشروط الانتداب قامت سلطة الانتداب بتيسير هجرة اليهود بهدف تأسيس وطن قومي في فلسطين بدأ معها بشكل واسع و ضخم أنشاء مشروعات زراعية و اقتصادية تقوم بها الحركة الصهيونية خلال فترة الانتداب في فلسطين لحساب المستوطنين الجدد كما ازدادت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
الاحتيال البريطاني لتثبيت الكيان الصهيوني
اعتمد الانتداب البريطاني على فلسطين وبشكل ممنهج اربعة وسائل رئيسية في سياسته لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين وهي حق انتزاع الأراضي الفلسطينية, دعم وتشجيع الهجرة الصهيونية ,التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية الصهيونية ,قمع الشعب الفلسطيني .
وقامت بريطانيا بفتح الباب واسعاً أمام الصهاينة ليتملكوا قطاعات كبيرة وواسعة في فلسطين , وأما الدستور الفلسطيني الذي أصدرته ادارة الانتداب البريطانية فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ وضع كل ثروات فلسطين الطبيعية من المعادن والمناجم والأنهار تحت تصرف المندوب السامي البريطاني وبشكل مطلق الامر الذي خوله بكل الصلاحيات في أن يؤجر ويهب الأراضي العمومية لمن يشاء ومن البديهي أن تكون كل هذه الهبات لمصلحة الكيان الصهيوني؛ اذ ان سياسة الانتداب البريطاني آنذاك كانت قائمة على هدف انتزاع الأراضي من أصحابها الاصليين بيد ومنحها للكيان الصهيوني باليد الأخرى.
جريمة بريطانيا بحق الفلسطينيين
لم تشعر بريطانيا يوماً بعار وفداحة فعلتها ولم تحاول حكوماتها المتعاقبة للان التكفير عن جريمتها النكراء بإصلاح الغبن التاريخي الذي البسته ظلماً للفلسطينيين وبقيت تمعن بدعم الباطل وتعززغطرسة الكيان الصهيوني وتقف ضد الحقوق الفلسطينية .
فمنذ منتصف العشرينات تعمدت ادارة الانتداب إلى سن التشريعات الخصوصية والخاصة بانتزاع واقتلاع الأراضي من يد ملاكها وأصحابها العرب واستولت بريطانيا من خلالها على مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي تحت مسوغات منها القيام بتوسيع الطرق المؤدية من وإلى المستعمرات الصهيونية واحتياج المشروعات الصهيونية للأراضي وذلك من أجل استكمال منشأتها وهذا «السخاء البريطاني» في اجتثاث وانتزاع الأراضي من ايدي اصحابها اعطائها كهبة للصهاينة وأسهمت تلك السياسة بتهجير العديد من الفلسطينيين قسرا تحت تهديد العصابات الصهيونية والنفوذ العسكري البريطاني الداعم لها وتم الاستيلاء على أملاكهم وكذلك إقامة المستوطنات لاستيعاب الصهاينة الوافدين وقد سهلت بريطانيا للصهاينة شراء الأراضي الفلسطينية بمنع المزارعين الفلسطينيين من تصدير منتجاتهم حتى تهبط أسعارها، ولا يتمكنون من تسديد الديون والضرائب فيتم مصادرتها من قبل بريطانيا ومنحها للصهاينة وقد قامت السلطات البريطانية بقمع المقاومة الفلسطينية والتصدي لثورتي البراق 1929 والقسام 1936 ودعم جرائم العصابات الصهيونية والتي من أشهرها «الأرغون» و»شتيرن» و»الهاغاناة». وتسهيل ارتكاب المجازر لإجبار الفلسطينيين على النزوح عن أراضيهم ومصادرتها.
كما صادق مجلس عصبة الأمم على صك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي تضمن وعد بلفور ولتحقيق ذلك اتخذت بريطانيا عدة خطوات كان أهمها:عزل فلسطين عن محيطها ,تدريب كوادر عسكرية صهيونية في الجيش البريطاني ,تسليح التجمعات الصهيونية بعتاد ثقيل ,كسب تأييد الدول الكبرى سواء بالضغط عليها أو بالتنازل لها عن بعض المستعمرات البريطانية.
ومع كل هذه الخطوات التي اتخذتها بريطانية لمنح فلسطين للصهاينة بالمجان جاء وعد بلفور الذي يعتبر الحلقة الأولى المعلنة من قبل بريطانية في بلورة وتكريس الاحتلال الصهيوني.
نص وعد بلفور
عزيزي اللورد روتشيلد :يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
إن وعد بلفور ليس أول ولا آخر وعد يقدم للصهاينة عبر التاريخ فهو مجرد حلقة وصل في زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمتين العربية والإسلامي فلقد وجد الصهاينة اليوم من يعدهم بأكثر مما وعد بلفور وهم الأمريكان الذين يطلقون وعودهم على مدار الساعة بحماية الكيان الصهيوني وقيادته السياسية وبتحقيق الأمن والسلام والتفوق العسكري وغض الطرف عن كل الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين يومياً وعلى مرأى من العالم.تصريحات ماي تجديد للجريمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.عربت فصائل ومؤسسات فلسطينية رسمية، عن غضبها إزاء اعتزام رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، الاحتفال بمرور مائة عام على مرور وعد بلفور، الذي أسس لقيام إسرائيل، ورفضها الاعتذار للشعب الفلسطيني على «النكبة» التي حلت به، جراء هذا الوعد.