تقع مدينة غزنة على بعد 140 كيلومتراً إلى جنوب غرب العاصمة الأفغانية كابول وعلى الطريق المؤدي إلى مدينة قندهار. وهي مدينة تاريخية، كانت عاصمة للملكة الغزنوية التي حكمت أجزاء من شمال الهند وبلاد فارس وآسيا الوسطى خلال العصور الإسلامية القديمة. ويعود الفضل في أن تصبح غزنة مركزاً للثقافة والفنون وعاصمة للمملكة آنذاك إلى السلطان محمود الغزنوي (971 – 1030)، الذي وسّع من أطراف مملكته وجعل من سكانها خليطاً من الثقافات الفارسية والإسلامية والآسيوية.
نجح الملك الغزنوي في خلق جو من التعدد الثقافي والديني في عاصمته من خلال استقباله لفنانين وأدباء وعلماء من وسط آسيا والهند في بلاطه، بصرف النظر عن ديانتهم. إن ذلك هو ما يطلق عليه اليوم في أوروبا صفة «الاندماج الثقافي»، كما يؤكد كارستن لي من جامعة آخن، والذي يعمل مع فريق ألماني يقوم بترميم المدينة التاريخية.
مساعدة ألمانية لترميم المدينة
يركز فريق عمل جامعة آخن بقيادة ميشائيل يانزين على ترميم سور المدينة التاريخية ومنارتها. «صدمنا في البداية من الوضع المزري للسور والمنارة ذات الاثنتي عشرة زاوية». ويضيف كارستن لي: إن هذين المعلمين يعتبران رمزاً لتاريخ المدينة. وللحفاظ عليهما قدمت الحكومة الألمانية معونة لدعم أعمال ترميمهما بلغت قيمتها 1.7 مليون يورو. حول ذلك يؤكد كارستن لي إن دوره لا يقتصر على الترميم فقط. ويقول: «لم نأت هنا لنعلم الناس كيف يمكن ترميم السور والمنارة، بل إن دورنا هو حث سكان المدينة على الحفاظ على تراث مدينتهم التاريخية أيضاً».
مساعدة الناس لكي يساعدوا أنفسهم. هذا هو الأمر المرغوب فيه، لكن هناك أمر آخر يعيق العمل ويعرضه للخطر. ألا وهو «غياب الأمن» في أفغانستان. الانتقال بين كابول وغزنة يستغرق ساعتين بالسيارة. وبالنسبة للصحافي الأفغاني عارف، فإن هذا الطريق محفوف بالمخاطر. إذ يقول: «لا أستطيع الذهاب إلى مدينتي غزنة، فحركة طالبان تهدد كل شخص بالاختطاف أو القتل إذا تعاون مع الصحافة الأجنبية أو عمل لحسابها». فكيف يمكن لمثل هذه المدينة المهددة من طالبان أن تصبح عاصمة الثقافة الإسلامية في آسيا لعام 2013؟. ورغم ذلك فإن فرحة سكان المدينة أكبر من تهديدات طالبان وخطرهم. فمدير محطة غزنة الإذاعية وحيد الله عمراير يشعر بالفرح لاختيار مدينته عاصمة للثقافة الإسلامية في آسيا. «لقد نسيّ العالم هذه المدينة، وتذكرها من جديد». كما يؤكد وحيد الله!
أين ذهبت الأموال؟
هناك أسباب أخرى تهدد فرحة سكان المدينة. فقد تم ترميم جزء صغير من المدينة فقط، الأمر الذي يهدد بسحب لقب عاصمة الثقافة الإسلامية منها، إن لم يتم إنجاز الجزء الأكبر من عمليات إعادة الترميم. وسعياً في إنجاز مرافق بالمدينة تم تحويل 15 مليون دولار من الحكومة الأميركية إلى الحكومة الأفغانية. «لم أشاهد مشروعاً واحداً تم إنجازه من هذه الأموال، لم يتم بناء مطار لاستقبال الناس، فكيف للناس الوصول إلى هنا دون مطار؟» هكذا يتساءل وحيد الله.
ما وُعد به سكان المدينة هو إنجاز شبكة كهرباء لخدمة سكانها البالغ عددهم مئة وأربعين ألفاً. بالإضافة إلى تعبيد 150 كيلومتراً من الطرق بالإسفلت. ويقال أن 50 كيلومتراً منها أنجزت. أما ترميم سور المدينة الذي تكفلت به الحكومة الألمانية فقد تم الاتفاق على عدم الالتزام بموعد إنجازه عام 2013
لا يمكن للمواطنين الأفغان ولا لغيرهم من الأجانب زيارة المدينة أو الوصول إليها جواً لأن الطريق المؤدي إلى مطار المدينة لم يتم إنجازه بعد. فكيف يمكن زيارتها إذاً؟. القائمون على مشاريع الترميم والخبراء يقترحون من جانبهم أن تنتقل المدينة إلى الناس عوض أن يذهب الناس إليها. وذلك عن طريق إنتاج أفلام وثائقية ومعارض للصوّر والإعلانات، ما قد يساعد في التعريف بمدينة غزنة التاريخية، عاصمة المملكة الغزنوية، التي حكمت في قديم الزمن بلاد فارس وأجزاء من الهند وآسيا الوسطى.