تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مئة عام على المؤتمر العربي الأول في باريس - 1913م... مسارات العروبة في مدن الملح والتيه

ثقافة
الثلاثاء 12-2-2013
ديب علي حسن

مفكرون عرب عام 1913م: ولاة العثمانيين دللوا علينا في سوق البيع...عبد الغني العريسي: نحن عرب قبل كل صبغة سياسية...عبد الحميد الزهراوي: مؤتمرنا ليس له صبغة دينية...

هل كان ابراهيم اليازجي حين أطلق صرخته المشهورة: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب يدري أنها ستبقى في فضاء لامتناه، لاحياة لمن يناديهم، ولاصدىً لها أبداً.. ترى ماذا لو كان اليوم بيننا أو لقيض له أن ينظر من عليائه الى أحوالناو العلل التي لم تستسغ جسد أمته كما استساغت جسد أمتنا نحن العرب..؟!‏

ماذا نقرأ من مزامير الفكر واليقظة، هل نقرأ على أمواتنا مزاميز الكواكبي وصرخته بوجه الاستبداد العثماني ودفعه حياته ثمناً لمواقفه..؟!‏

أترانا نذكر من قال: بني يعرب إن الذئاب تصول.. و كان يحذر من الطغيان العثماني وجرائمه التي أنزلها في كل بيت عربي..‏

اليوم وبعد مئة عام إلا شهوراً قليلة على انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس كيف نقرأ أحوال الأمة و مصيرها..؟!‏

سؤال يتشعب إلى ألف سؤال: لماذا كان الأجداد أكثر حضارة وثقافة منا؟!‏

سيل من الأسئلة التي تضج ولا تجد ملاذاً لها.. لماذا كان أبي قادراً على زيارة لبنان سيراً على الأقدام.. ولماذا كان يشارك في (حصاد العلا) ويذكر محاسن الذين كان يعمل معهم و شهادتهم و كرمهم.. لماذا كان أبناء الوطن العربي جسداً واحداً.. فكيف بأبناء الوطن الواحد..؟!‏

لماذا ثار أبناء الوطن كلهم على العثماني البغيض، و من بعده الفرنسي منذ أن نزلت قدماه على الشاطىء السوري، أو توجهت طلائع عدوانه إلى ميسلون..‏

صالح العلي الذي أشعل الأرض تحت أقدام المستعمر.. وابراهيم هنانو ويوسف العظمة، وسلطان باشا الأطرش، والأشمر ومريود لماذا هؤلاء كانوا أكثر وطنية وقدرة على الفهم والتخطيط أكثر من الذين يدلون أنهم يحملون أرفع الشهادات و هم في الغرب تائهون في مواخير الليل..؟!‏

لماذا صرخ أحد قادة الثورة العربية طاب الموت يا عرب.. وليس بالإمكان أفضل مما كان..؟!‏

العروبة في مسار قرن ونيف تلفظ أنفاسها تبدو وكأنها عقوبة أو جمل أجرب يجب عزله عن باقي القطيع لئلا يصاب بالعدوى.. لماذا كانت اليقظة العربية في مطلع القرن العشرين قوية، فاعلة، قادرة على التأثير والعمل بفضل مفكرين ومثقفين نذروا حيواتهم ودفعوها في سبيل الحرية والاستقلال..‏

لماذا ذهب ميراث أبطال السادس من أيار.. لماذا انكفأ الحلم العربي بأمة واحدة، والآن لم يعد أمل أحد بأمة واحدة بل ربما بوطن واحد، و أرادونا أن نحلم بمدينة واحدة، وقرية واحدة و أن ننكسر وننكفىء وكأننا وحوش كاسرة لكل قرية أو مدينة غابتها و كهفها و ثيرانها، وفي الساحة عليها أن تتصارع وتفتك ببعضها بعضاً.‏

هل فكر المثقفون العرب بمصير أمتهم، هل شغلهم، هل وضعوا خططاً و استراتيجيات وعملوا على تنفيذها..؟! لماذا نحن الآن في أسوأ حال..؟ لماذا عدنا القهقرى إلى ما قبل بدايات القرن العشرين، وربما إلى ما قبل جاهلية الجاهلية..؟!‏

المؤتمر العربي الأول في باريس 1913م‏

لشدّ ما آلمني صبيان السياسة و الفكر و عملاء الدولار و خدمه قدموا أنفسهم مطايا للمستعمر الغربي حتى بلا أجر، و كأنهم حفنة هرمة متعبة بلا( جليل) فقط رسن ومعلف وكثير من الشعير في معلف لن يدوم طويلاً، و يعقدون مؤتمراً في باريس تحت مسمى باطل، ظالم، قاتل، حاقد (مؤتمر أصدقاء الشعب السوري).‏

أي أصدقاء أولئك الذين يسفكون دمنا، ويدمرون مقدراتنا وينهبون ثرواتنا، و يغتالون تراثنا و مستقبلنا..‏

مؤتمر باريس الثاني بعد الأول و شتان ما بين المؤتمرين، الأول عقد عام 1913م من أجل يقظة الأمة العربية و نهضتها من تحت كابوس الاحتلال العثماني، وإن كان المؤتمرون مازالوا يحسنون الظن بأوروبا ولاسيما فرنسا، و لم تكن قد تكشفت لهم بعد أبعاد نياتها، وربما ظنها الكثيرون أنها فعلاً واحة للحرية و هي زعيمة العالم الحرّ.. كل ذلك قبل أن تتكشف النيات..‏

بيس عرب..‏

تقول المعلومات التي تتحدث عن المؤتمر العربي الأول في باريس أنه بعد قرار والي بيروت والحكومة العثمانية حل (جمعية بيروت الاصلاحية) واعتقال أعضائها نشطت حركة المعارضة العربية لسياسة الاتحاد و الترقي القائمة على أساس عنصري طوراني وقومي تركي متعصب وهي التي قضت أيضاً على كل ما هو عربي وعلى كل الشخصيات العربية العاملة في الادارة العثمانية، و أكثر من ذلك فإن جمعية الاتحاد والترقي أسهمت إسهاماً فاعلاً في تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين ابتداء من عام 1909م.‏

وأصبحت كلمة (بيس عرب) (عربي قذر) تسمع في شوارع أسطنبول بصورة مستمرة من منطلق التعصب التركي الطوراني المعادي للعرب و العروبة.‏

وفي بيروت بدأت (المنشورات السرية) توزع سرّاً في الشوارع وعلى بعض الشخصيات ولاسيما في الفترة التي زاد فيها طغيان الأتراك ومن هذه المنشورات تحت عنوان (إلى الأمة العربية- الوطن في خطر) ومما جاء فيه (قدمنا أولادنا للعسكرية وأموالنا للأستانة لأجل أن ترقى الدولة، فكان لرقيها إلى أسفل والأن أمسّنا وبيننا و بين رجال الأستانة سوء تفاهم، نحن نعتقد أنهم أخواننا، وهم في الظاهر يضحكون علينا، وفي الواقع يرون أننا عبيدهم وان لهم أن يمنعونا حقوقاً وهبها الله).‏

وجاء في البيان أيضاً: بني قومي، يا أبناء لغة عدنان وسكان عمر بن عبد العزيز والمأمون بن هارون، إن عبر الزمان تناديكم وكوارث الدهر تعظكم فاستمعوا لهما وطننا في خطر، ذهب جاويد بك إلى أسواق أوروبا ليدلل على مرافق بلادنا، وذهب حقي باشا إلى وزارات أوروبا ليدلل على البلاد نفسها، يابني أمي وبني عمي، هيا إلى تلافي الخطر كونوا مع الحق ثم لاتخافوا، الله معنا وقوة الأمة لايستهان بها، ويكفي القائمين بالاصلاح أن تكون قلوبنا معهم).‏

وكان الطريق إلى مؤتمر باريس معبداً بالآلام، ولم يستطع المؤتمرون السفر إلا بعد معاناة طويلة، عقد المؤتمر في حزيران عام 1913م وقد أشار عبد الحميد الزهراوي إلى أن المؤتمر ليس دينياً أبداً إذ إن عدد المسلمين والمسيحيين متساوٍ في المؤتمر وأضاف أن عقده هناك -باريس- لضرورة التواصل مع الإعلام ولأن الكثيرين من السوريين والعرب يقيمون في باريس ويوم الأربعاء 18 حزيران 1913 كانت الجلسة الأولى برئاسة الزهراوي الجلسة الثانية عقدت في 20 حزيران /1913م وألقى فيها عبد الغني العريسي خطبة هامة تمثلت بجرأة كبيرة إذ عبر عن رأيه بكل حرية ضد الاستبداد والتسلط، ومما قاله: فنحن عرب قبل كل صيغة سياسية، حافظنا على خصائصنا وميزاتنا وذاتنا منذ قرون عديدة رغماً مما كان ينتابنا من حكومة الأستانة من أنواع الإدارات، لامتصاص السياسي أو التسخير الاستعماري أو الذوبان العنصري.‏

وفي تفاصيل وخطب المؤتمر الكثير مما يجب الاطلاع والوقوف عند حيثياته، وهي دعوة لأن يحتفى بمرور مئة عام على عقد هذا المؤتمر العربي الأول في باريس.‏

ترى هل يقرأ المغفلون التائهون في باريس كيف باع حقي باشا العرب إلى وزارات أوروبا، وكيف دلل جاويد بك على مرافق بلادنا..؟!.‏

هل مايجري الآن غير الذي جرى قبل مئة عام.. وهل نهب حلب وسرقة مصانعها ومقدراتها غير الذي جرى عام 1516م حين سرق الانكشاريون المهن والحرفيين والمخطوطات والوثائق، ونهبوا كل ثرواتنا.. مئة عام على المؤتمر العربي الأول بباريس وماتلاه من يقظة عربية، والآن مؤتمر المتخاذلين في باريس وهم يقدمون أنفسهم عبيداً لطواغيت باريس.. إنها مدن الملح والتيه والذوبان، ابحثوا عن ممالك الأعراب ونفطهم ومالهم، ومؤامراتهم خلال نصف قرن من ثروة النفط وجنون المال، وجاهلية أبي لهب ومسيلمة الكذاب وسجاع.‏

dhasan09@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية