نعم لقد نجحت الأزمة التي تقترب فصولها الأخيرة من بسط ثقافة جديدة في السلوك العام أبطالها مجموعة ممن نمو على ضفافها كالطحالب فباتوا يعيثون فسادا وتحكما برقاب العقاب تحت ذرائع مختلفة ينبذها المواطنون الشرفاء ويكرهون مجرد القبول بها ،
هذه المظاهر المؤذية لم تكن لولا مجموعة من الممارسات السلبية التي تلقي بظلالها على المجتمعات مستفيدة من حالة الفوضى و الإرباك العام ، وانكماش الأسواق وتخوف الموردين من التعرض لأخطار الطريق والعصابات المجرمة التي تتربص بالمواطنين الآمنين شرا ومكرا مهددة حياتهم وأمنهم وأمانهم فتظهر صعوبة الحصول على حاجات الناس للسلع والمواد الأساسية وتنخفض مناسيب العرض لجهة الزيادة الكبيرة في الطلب على هذه السلع وعدم توفر البدائل ، فيصبح المحال واسعا لظهور المحتكرين والانتهازيين وصيادو الفرص الذين تراهم جولك في مختلف المناطق يجاهرون بفجورهم دون رادع رسمي وأخلاقي أو مجتمعي ، لدرجة تنعدم معهم الخيارات في الرفض أو القبول بما يعرضونه على الناس من أسعار تتجاوز حدود المنطق بدرجات عالية فيصبح المواطن مضطرا للقبول تحت ضغط الحاجة .
الكلام هنا لم يعد مجرد تهويل ومشاهدة الجانب الفارغ من الكأس فقط فالتعميم لا يصح بالمطلق لكن من يعمل في تجارة السلع والمواد الأساسية يكتشف وجود حلقات مترابطة فيما بينها شكلت السبب الأساسي لما ذكرناه من صور ، فباعة المفرق لديهم حجج قوية يقولونها بصوت مرتفع ، لسنا من يتحكم بأسعار السلع فالأزمة فتحت الباب واسعا للكبار الصغار الذين فرضوا شروطهم على الجميع ، والأزمة سببت صعوبات كبيرة في تأمين واسطة النقل من مناطق الإنتاج حتى بوابات المستهلكين ، وهناك من الناقلين من ضاعف أسعار وبدلات النقل عشرات الأضعاف نظرا لارتفاع المخاطر، خاصة مع خروج الكثير من وسائل نقل البضائع من الخدمة وخروج الكثير من العاملين والمعامل المنتجة بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد عموما ومع ذلك ثمة من يؤكد وجود آليات تستطيع تخفيض حجم الضرر إن لم تستطع إلغاءها كليا ، ولاشك أن الحلول متاحة إن تضافرت جهود من يتعلق بهم أمر الحلول وإلا فالمشهد مرشح للمزيد من المخاطر والصور الأكثر ظلاما وهذا ما لا يريده كل غيور شريف ولا يقبل به كل مواطن محب لوطنه .
بدلات الخدمات المضحك المبكي
من الصور المحيرة في ظل الأزمة اليوم ما يصادفه المتابعون من حالات من الصعب تفسيرها ، منها ما يقال عن زيادة معدلات الشكوى من فقدان جبهات العمل وبقاء الكثير من الشباب خارج إطار العمل المنتج بعد أن أصابت البطالة والتعطيل الكثير من معامل القطاع الخاص التي كانت توفر فرصا للشباب بخروجها من نطاق العمل وبالتالي يعني أن نشهد عرضا واسعا للخدمات ونموا غير مسبوق للعاملين فيها وهنا تبرز مسؤولية من يفترض فيه البحث عن جبهات عمل بديلة للخارجين من القطاعات الإنتاجية لكن ذلك لم يحصل فذهب الكثير من الشباب باتجاه الكسل والركون لشروط الأزمة ومفتعليها وأبطالها ورموزها وأدواتها ، وبالمقابل تراجعت مستويات أداء الخدمة وصار العثور على من يقدمها مسألة ترهق المواطن وتضيف لهمومه هما جديدا يتمثل في تأمين من يقوم بإصلاح التجهيزات المعطلة أو صنابير المياه أو التمديدات الصحية والكهربائية وغير ذلك ، وإن نجح في الموضوع فعليه التنازل عن معدلات الجودة وعليه أيضا أن يقبل بالسعر الذي يفرضه منجز الخدمة.
موضة جديدة بفعل الأزمة
بدلات الخدمات العامة والخاصة التي أصابتها عدوى جنون الأسعار باتت موضة هذه الأيام خاصة لمن يقوم بتأمين هذه الخدمة للتجهيزات التي لا يستغني عنها البيت مطلقا ، حيث أصبحت تلك البدلات تسجل أرقاما فلكية ، منها ما يوازي السعر الأساسي للسلعة قبل الأزمة ومنها ما يزيد على ذلك السعر خاصة أن السلعة البديلة ليست متوفرة عند الطلب فإذا اضطررت لإصلاح جهاز كهربائي تعطل نتيجة عدم استقرار التيار الكهربائي بشكل عام هذا يعني أن احتمال الاستغناء عن الجهاز يحدده المبلغ الذي يطلب منك بدلا لإصلاحه، هذا إن وجدت القطعة التي يحتاجها المصلح، فمن كان يتقاضي قبل الأزمة 200 ليرة لتبديل مكثف صار اليوم يطلب 500 ليرة ، ومن تحتاجه لتوصيل كابل كهرباء للمنزل صار يطلب أضعاف المنطق بحجة عدم توفر جبهات العمل وانصراف الناس إلى الإنفاق على الأكثر ضرورة ، وإن دفعتك الحاجة لشراء مصباح ضوء « نيون «صار عليك أن تدفع ثلاثة أضعاف السعر قبل الأزمة ومثلها لبدل التركيب ، وعندما تريد نقل قطعة ما لمسافة قصيرة يطلب بدلا لنقلها عشرات الأضعاف ، فهل أصبحت بدلات الخدمات بوابات مشرعة لاستغلال حاجات الناس في ظل غياب الرادع الأخلاقي والضمير الحي؟
إصلاح السيارات عالم آخر
وعندما تحتاج سيارتك الخاصة لبعض القطع فهذا يعني همّاً من الصعب عليك احتمال نفقاته لأن قطع السيارات صارت ضربا من الجنون وارتفعت أسعارها بفضل عدم إمكانية الاستيراد وعدم توفر القطع ومثل ذلك ما يقال عن ارتفاع بدلات الإصلاح للميكانيكي والكهرباء والحدادة والتنجيد والدهان وغير ذلك .
هنا يبرز السؤال ماذا يفعل من لا سبيل أمامه من تحمل بدلات الخدمات والإصلاح وغير ذلك ومن يعيد الرحمة لقلوب من امتهن الضرب على أوجاع المواطنين في غياب واضح للرقابة والمراقبين وللضمير الذي يفترض أن يكون أكثر وضوحا عند اشتداد الأزمات؟.