ومع مرور التجارب وتتابع حلقات الوقت الوجداني تنهض مستشارية الحب، التي تشرف على شؤون القلب وعلاقات نبضه بالكون والكائنات...
مستشارية واحدة تكفي القلب حباً، وترشده إرشادات ذات معنى فصيح وعظيم البلاغة.
كل امرأة مرت باستشارية وجدها، وكل رجل يحتاج إلى أن يكون من رعايا هذه المستشارية واختصاصاتها واهتماماتها.. ومن غيرها يمسي الإنسان بائساً وباعثاً على الشفقة والنساء المليحات، والممسكات بأغصان الأنوثة والدلال وثقافة الحسن يرفض فن الشفقة وحكمة الاسترحام والتظلم.
لا يقبلن أن يتقدم العاشق الفاشل إليهن بطلب إعادة امتحان وتقدير.. ولا ينظرن بطلبات المساعدة وإضافة علامات شوق مساعدة.
الإنسان القديم اجتهد في ابتكارات الحب، وإنشاء مفوضيات العشق ومستشاريات الألفة النضرة.
عيد الرابع مفوضية حبٍّ قديمة، يعرفها عقل الإنسان وقلبه، وتعرفها حاسته الخاصة ورؤاه وأحلامه، ويتفاهم مع معلوماتها ويهتدي إلى مراجعها بكل ثقة وحياة.
ساحات تتربع على أكتاف ورؤوس التلال كتحيّات منجزة، أو مع وقف التنفيذ.
كلُّ ساحة لها نصيبها السنوي من دبكات عيد الرابع أو عيد الخصب، أو عيد الحب أو لنقل مستشارية الوجد وتبادل الإشارات العشقية.
العشق درسٌ لاغنى عنه، في مدرسة الحياة.. والراسب فيه يبقى من غير شهادات أساسية.
وليست جميع الدروس والمعلومات مختصة بمدرسة عشقٍ واحدةٍ وأسلوب عاشقين واحد.. بل لكلّ عشقٍ نكهته وفنه.. هاجس الإنسان من هاجس الأرض، وأمومتها الرصينة وهذا ما جعل إنسان الحبّ مبدعاً ومبتكراً وحضارياً، وجعل إنسان الكراهية مخرّباً ومدّمراً وملعوناً بفتنة هلاكه..
الإنسان وكيل الخالق لشؤون الحبّ وإعمار الكون ، لكن هل يوفق دائماً في أداء الحبّ والإعمار؟!
لكلِّ قرية ومدينة عيد رابعها، ولكلِّ ساحة دبكاتها، وفي نهاية المشوار تبقى الخطوات الصاعدة إلى أعالي الاشتياق ، كدرب نسي أن ينعس قبل بلوغ القمة..
والأمكنة تسمى بعشاقها وجميلاتها العاشقات .. ومن غير عاشقات وجميلات تفقد الأمكنة والأزمنة عناوينها وحروف هجائيتها النابغة كانت وكان ، وكنّ وكانوا وما زالت وما زال.. الجميع أمام امتحان حبٍّ أول ٍ وجدول ضرب وجمع وعشق، لافلات من التقدم للامتحان بمعلوماته وتطبيقاته المسلكية والنفسية...
إحدى جارات عيد الرابع لم تزل إلى اليوم تراجع مستشارية قلبها وحنينها الأول، بحثاً عن درس حب جديد وقصيدة وجد، لم تتوقف عن موسيقا الدهشة والانتظار، كقافية فجر ومطر...
وجارات وجارات وجيران وجيران وآخرون وأخريات، في جميع الأماكن والمحطات يحملون أوراقاً وطلبات تسمح لهم بالوصول إلى مستشاريات عشقهم وحنينهم.....
وهذه الأوراق ليست معرضة للتلف أو الرطوبة أو الضياع، بل هي محتفظة بكامل نكهتها وحيوية تعبيراتها وآثارها النفسية والمكانية والزمانية، وبذلك يقبضون على الزمان يجعلونه شاهداً على نضارتهم ، بعد أن يبقى قاطع طرقاتهم...
ابتكر الإنسان فنوناً وتعبيرات راقية، تقول حبه وتشير إلى نجاحه وبقائه وبهائه وازدهاره...
والآن نسي أن يحرسها، فمال إلى تخريبها وتحطيم علاماتها وسط مهرجانات سخط وجشع وبؤس وانحطاط....
لكن هل يصلح العشاق ما أفسد القهر؟