تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ابو الانترنت ( فنت كيرف ) : تاريــخ العالـــم الالكترونـــي ذاكـــرة مــــن رمـــاد

ثقافة
الأربعاء 18-2-2015
ديب علي حسن

ليس الامر مزحة، ولاهو مجرد خيال او شيء من هذا القبيل، انه تصريح لابي الانترنت في العالم (فنت كيرف) ادلى به لاحدى الصحف المعروفة و هو يطلق صرخة التحذير لكنها اتت متاخرة جدا، وبعد فوات الاوان،

فقد استطاب الكثيرون في العالم، مؤسسات وحكومات ووسائل اعلام واتصال ان تكون ذاكرتهم الفردية او الجمعية في مصب الانترنت ومحركات بحثه، واليوم وبعد هذه الفورة السريعة من النتاج العلمي والادبي والثقافي والفكري المخزن كله الكترونيا، وخزانه الرئيس هناك في الولايات المتحدة الاميركية حيث المصب ومنبع الاتصالات _ اليوم هل سال احدنا نفسه عن مصير هذه الذاكرة الرمادية ان لم نكن نحتفظ بها ورقيا ؟‏

بالتاكيد لم نفعل، ولم يخطر في بال الكثيرين ان يسألوا: ما مصير هذه المليارات من المعلومات والوقائع، وغيرها ؟ هل هي بايد امينة، هل ستذروها الريح الى غير رجعة، ولماذا تخزن هناك في الولايات المتحدة، وهل نحن امام لعبة اميركية قذرة ستكون في النهاية قادرة وبكبسة زر تغيير وشطب ذاكرة العالم الى غير رجعة، وهذه الامة التي تدعي انها امة القطيعة مع كل ماانجزته البشرية سابقا، ولا تعترف الا بما تنجزه هي ولهذا اسبابه الكثيرة، هل سيقودها هذا الى ان تقول للعالم: وداعا لذاكرتكم لانجازاتكم التي خزنتموها هنا، وها نحن امام واقع جديد فترة زمنية من تاريخ الانجازات العلمية والفكرية والادبية وغيرها ستكون خارج اطار التاريخ، لانها ببساطة قد مسحت من على الذاكرة الالكترونية وانت امام مرجعية واحدة لهذه المرحلة بكاملها، هي المرجعية الاميركية، وفي احسن الاحوال وان كنت صاحب حظ سعيد انك ارشفت وخزنت ورقيا وثائقك وتاريخك.‏

الامر ليس مزحة، ولاهو من باب الخيال العلمي الذي يتحول في كل العالم الى حقائق الا عندنا يبقى خيالا ومجرد حكايا، الامر جد خطير ويجب ان ينتبه من يهمهم تاريخهم وانجازاتهم الى ما فيه من كوارث قادمة، وهو سيقع ان عاجلا ام اجلا،وقد وقع سابقا عبر التاريخ اذ مارس الغزاة حرق الكتب والمكتبات، وما بقي منها سطا عليها المستعمر واودعها في خزائن مكتباته، ولتاريخ حرائق المكتبات حكايات لاتنتهي، من مكتبة الاسكندرية الى مكتبات بغداد، وليس اخرها ما يمارسه الارهاب من تدمير للاثار والمكتبات السورية حيث يحل، لنا في مكتبات حلب خير دليل على ذلك، وهذا ليس الا وجها من وجوه الذاكرة الرمادية ودور امة القطيعة (اميركا) تحرق المكتبات وتدمر الصروح والمشيدات، وتمحى الذاكرة الالكترونية، ولايبقى الا ما تريده هي.‏

يقول فنت كيرف في لقاء اجري معه على هامش احد المؤتمرات: يتجه العالم الرقمي اليوم نحو تحويل الوثائق والموسيقا والملفات الطبية والصور والرسائل وعروض الفيديو، وغيرها، إلى صيغة رقمية، ولكن ماذا سيحدث لتلك الملفات لو توقفت الخدمات المسؤولة عن تخزينها مثل إقفال شبكة «إنستغرام» أو «فيسبوك» أو خدمة «دروب بوكس» بعد عقد أو عقدين، أو توقف دعم شركة «المطورة لتطبيق قراءة وثائق «بي دي إف» وعدم التخلي عن حقوق ملكيته أو نص برمجته، مثلا؟ مثال آخر على ذلك أن المراسلات الورقية التاريخية التي حدثت قبل 300 عام ستكون مرادفة لصيغة البريد الإلكتروني في يومنا هذا، وسيكون البحث عن تلك الرسائل الرقمية بعد 100 عام، مثلا، أمرا بالغ الصعوبة بسبب اختلاف البرامج التي تقرأ تلك الرسائل، وحتى عدم وجودها في حال حدوث ثورة نوعية في طريقة معالجة البيانات وضرورة التخلي عن التقنيات الحالية لصالح أخرى أكثر تطورا تقدم قدرات مهولة على المعالجة، لكنها غير متوافقة مع تقنيات القرن الـ21.‏

ويضيف قائلا ومتحدثا عن مرحلة زمنية قريبة ليست ببعيدة وهي من الذاكرة الالكترونية: ولن يعطي استخدام الإنترنت اليوم لمعرفة الأحداث التي طبعت عام 1994، مثلا، نتائج دقيقة أو مضمونة، نظرا لأن بيانات تلك الفترة قد اختفت من الشبكة. ودعا «كيرف» إلى حفظ تاريخ البشرية الرقمي في صيغة جديدة مع الاحتفاظ بأنظمة التشغيل الخاصة بذلك، بحيث تستطيع الأجيال المستقبلية الإطلاع على جميع البيانات بسهولة تامة، لكن هذا الأمر قد يوجد معضلة حماية حقوق الملكية لنظم التشغيل والبرامج التي يتم حفظها، وقد يدخل في صراع قانوني طويل جدا.‏

وتجدر الإشارة أن الحضارات القديمة لم تعان من هذه المشاكل، لأن التاريخ المكتوب بالخط المسماري على ألواح طينية، أو على أوراق البردي، لا يحتاج إلا مجرد النظر إليه. إلا أنه لدراسة حضارتنا الحالية سيواجه علماء المستقبل وثائق «بي دي إف» وأخرى مكتوبة بنظام وورد ومئات من برامج الأرشفة الأخرى التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا باستخدام برامج خاصة وفي بعض الأحيان أجهزة كومبيوتر خاصة.‏

والمشكلة قائمة بالفعل، ففي الثمانينات كان من المعتاد الاحتفاظ بالوثائق على أقراص مرنة وتحميل ألعاب من أشرطة كاسيت على «سبكترم زد إكس» والاحتفاظ بألعاب الأتاري الإلكترونية على خرطوشات إلكترونية. وحتى إذا كانت الأقراص والكاسيتات في حالة جيدة، فإن معظم المعدات المطلوبة لتشغيلها موجودة في المتاحف.‏

اذن نحن امام المجهول، شعوب تفقد تاريخها وذاكرتها، بفعل الغباء الذي جعلها تضعه بين ايد ليست مؤتمنة على شيء، وبالتالي نحن امام قطيع عالمي تقوده دولة العم سام، وهو زهايمر حقيقي ستكون الاجيال فيه مجرد دمى لاتعرف اين تذهب، ولا من اين تاتي، وسيكون البحث عن انجاز من تاريخ أي امة او شعب رحلة عناء وتعب، تكون امامها عملية فك الكتابة المسمارية نزهة في زورق.‏

وربما علينا ان ننبه الى ان العالم كله يوثق الكترونيا وورقيا الا نحن المغرمين بالانترنت وفضائه الذي استباحنا، فالكتب والصحف، وغيرها ما زالت هناك ورقية، ولاتشكل المواقع الالكترونيةاي مرجعية موثوقة ابدا، وسنبقى نكرر انه حين اراد الرئيس بوتين مخاطبة الاميركيين لم يلجأ الى محطة تلفزيون او موقع الكتروني، لابل الى كتابة مقال في صحيفة اميركية، وكذلك فعل الرئيس الايراني احمد نجاد، وهم الاميركيون والغرب حين يريدون حوارا مع أي مسؤول عالمي انما يكون غالبا عبر الصحافة المكتوبة، فما بالنا نحن العرب وشعوب العالم الثالث ندفع بكل ما لنا او ما عندنا أ و ما تبقى عندنا ليكون ذاكرة رماد يوما، وان يرمى في مهب المسح فلسوف تدفع ثروتك حين تحول ادوات البحث عنه الى اليات جديدة، تدفعها لتحصل على الياتهم هذه، وبالتالي فانت مستلب، وودائعك بكل ما فيها عند لصوص التاريخ والحضارة، وما اشبهنا ونحن نودعها عندهم بجحا حين عثر على كنز في الصحراء، فخبأه تحت ظل غيمة ريثما يعود ويأخذه، لسنا ابدا ضد الانجازات العلمية والاستفادة منها، لكننا ننقل راي من انجزها وما يراه، ولعلنا ننتبه قليلا، ان كل انجاز علمي هو حقيقة في خدمة البشرية وحضارتها وان كان يفعل الان بوجه من وجوهه.ولن نتحدث عما يقوم به قراصنة الشبكة العنكبوتية في كل مكان فهو ليس الا مزحة سمجة امام ما هو قادم.‏

dhasan09@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية