|
محطـــــــات ثقافية وعــــي الحريــــة ملحق ثقافي والعقل من خلال كثافته أي الدماغ، والحركة من خلال السكون؛ فكأن الكون ينشد ذاته ضمن هذه العملية التطورية التي تتحرر فيها طاقته، ليشعر بوجوده ويعي حقيقته وفكرته. ولقد أشار تيارده شاردان الى هذه الحقيقة عندما صرّح أن تطور الحياة قد مرّ بمراحل كانت الحياة تكشف عن ذاتها بدرجات أعلى وأسمى بفعل الطاقة الحيوية المتضمنة في المادة والفاعلة فيها. ونحن نوافق هذا المفكر العظيم الذي أشار الى عظمة التحرر أو التطور الكوني في خطين متوازيين متداخلين، خط مادي وآخر طاقي نفسي، يسيران جنباً الى جنب ويتقدمان معاً يداً بيد، ليصلا أخيراً الى اظهار الطاقة الكونية عندما بلغ الكون أشدّه وتحقق في الانسان،بظهور العقل الإنساني.فالعقل، أي ملكة الوعي والفكر، لم يوجد مصادفة بل كان حصيلة تطور شاق، تغلّف على ذاته في مادته، وصعد تلك المادة في حركة داخلية ،فسمت المادة بتعقيدها، أي باتجاهها، نحو تحقيق ذاتها بالوعي، حتى وصلت الى الإنسان. فالانسان هو نتاج الحرية،أي التطور؛ الحرية التي وعت ذاتها من خلال المسيرة التطورية؛ والتطور، أي الحرية، هو انفتاح وانعتاق وانبعاث دائم، وتحوّل الى اشكال أكثر سمواً في سلم الارتقاء، يبغي الوصول الى الحقيقة التي سُنت على هيئة قانون في الطبيعة لتعرف ذاتها. تشير صورة الحرية هذه الى الفكرة المتضمنة في الكون والتي تفعل فعلاً حقيقياً لتصل الى إدراك ذاتها. ولكن ، لما كانت هذه الفكرة مغلفة في غياهب الكثافة وآخذة صورة السلب وفاعلة لتحرير ذاتها منه، فإننا نميل الى القول بوجود إرادتين في الوجود الأرضي: سلبية وايجابية. تكلل وعي الوجود بظهور الانسان، بظهور الوعي. فالإنسان هو مثال حرية الوجود المادي. وهكذا، يمثل مثال هذا الوجود الذي يتمخض عن فكرته الكامنة فيه والتي تغلفت بأنواع الحياة وأشكالها التي سادت الأدنى الى الأعلى، وانطلقت من العبودية الى الحرية، من الانغلاق الى الانفتاح والوعي والروح،من الكثافة الى اللّطافة،ومن الظلام الى النور. وكما يكون الإنسان مثال الوجود وحريته، تكون الحقيقة السامية مثال الإنسان وحريته. إن ظهور الإنسان يمثل فكرة الكون المشتملة على الوعي والانغلاق، على الروح والمادة، على المقاومة السلبية والإيجابية، على الخير وانعدامه. يعود الإنسان ليمثل مثال كمال المادة، أي الوجود المادي، لكنه لايمثل كمال الروح، والكيان، والحقيقة، والمطلق إلا في الإمكان.لذلك، فهو يجمع العالمين في وجوده، المادي والروحي، في اتحاد عجيب يُعرف بالكينونة أو بالكيان. ويعود المثال لكي يفصح عن ذاته مرة أخرى عن وعي وإدراك.فكلما تسامى المثال أي كلما تحرر من عبوديته، أي من مقاومته السلبية المادية، استطاع أن يسجل نقطة هامة جديدة في التطور والحرية.
|