استراتيجية ترامب هذه أصبحت مكشوفة أمام المجتمع الدولي عموماً والأميركيين خصوصاً ويهدف منها إلى تحقيق مصالح عدة سواء كانت عقد صفقات اقتصادية وسياسية وتحقيق مكاسب أو التغطية على سياسات فاشلة ومواقف محرجة وضع نفسه فيها في المحافل الدولية ومن الأمثلة على ذلك حرب التجارة المفتوحة التي افتعلها مع الصين إلى التهديد بفرض رسوم مرتفعة على حلفائه الأوروبيين وبناء جدار فاصل على الحدود الأمريكية مع المكسيك وصولاً إلى تصعيد مواقفه العدائية ضد إيران وكوريا الديمقراطية والتراجع عنها فيما بعد.
وفي هذا السياق أوردت وكالة سانا تقريراً قالت فيه إن ترامب هدد بإصدار أمر رئاسي تنفيذي بفرض السؤال عن الجنسية في الإحصاء السكاني العام للولايات المتحدة ثم تراجع عنه فبعد أن أصدرت محكمة العدل العليا الأميركية قراراً يعتبر أن الدوافع التي ذكرتها الإدارة الأمريكية لإدراج سؤال الجنسية في التعداد (غير مقنعة وليست قانونية) حاول ترامب إنقاذ ماء وجهه بالتراجع عن إضافة هذا السؤال والإعلان بأن إدارته تدرس (خيارات أخرى) لضمان تعداد كامل ودقيق للسكان الذين لا يحملون الجنسية الأميركية.
السؤال عن الجنسية يحمل في طياته تهديداً واضحاً للمهاجرين في الولايات المتحدة وقد أثار حفيظة المنظمات الحقوقية داخل وخارج الولايات المتحدة، ولاسيما أن الحملة الشرسة التي أطلقها ضد المهاجرين وأطفالهم تزداد مع إعلان ترامب البدء منذ يوم غد الأحد بحملات اعتقال جماعية بهدف ترحيلهم من الأراضي الأميركية.
زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك تشومر سخر من تراجع الرئيس الأمريكي عن سؤال الجنسية قائلاً إن (هزيمة ترامب هي نصر للديمقراطية والتمثيل العادل إذ أنه لا ينبغي تخويف أي شخص من قبل الرئيس وسلوكه المتقلب).
موجات السخرية والانتقادات التي يواجهها ترامب بسبب سياساته وتصريحاته العشوائية التي ينطق بها دون التفكير بالعواقب المترتبة عليها ازدادت بعد تهديده بضرب أهداف إيرانية رداً على إسقاط طهران طائرة تجسس أميركية مسيرة انتهكت الأجواء الإيرانية والتراجع بعد تلقيه نصائح بخطورة وقوعه في مثل هذا الخطأ الفادح على العالم والولايات المتحدة نفسها.
أوهام ترامب وغروره الذي يمنعه من الاعتراف بالخسارة أثار المخاوف والقلق لدى الكثير من المسؤولين في إدارته إزاء تصرفاته اللامسؤولة وقراراته المتسرعة بما فيها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس للمناخ وغيرها من القرارات الفاشلة التي أدخلت الولايات المتحدة في أزمات دبلوماسية حتى مع أقرب حلفائها في أوروبا وأدت إلى تفاقم العجز التجاري للولايات المتحدة رغم الوعود البراقة التي قطعها للأميركيين.
سياسات ترامب العنصرية والقائمة على تحقيق مكاسب شخصية أدت إلى انقسام الأمريكيين على الصعيد الداخلي وارتفاع معدل حوادث إطلاق النار وتزايد اعتداءات الشرطة على أساس التمييز العنصري ليتحول الشعار الذي أطلقه ترامب خلال حملته الانتخابية الأولى تحت أكذوبة (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) إلى مثار للسخرية لدى الكثير من الأميركيين وكابوس بالنسبة للآخرين.