إن رؤية الطفل وهو ينتقل من مرحلة عمرية إلى أخرى تشعرنا بالغبطة والسعادة مع ما تتطلبه هذه المراحل من تعب وسهر ومراقبة وتقويم ... ورغم احاطتنا بكل ألوان الرعاية والاهتمام إلا أنه سيختلط بالناس .. بأقرانه في الحي والمدرسة والملعب وأحياناً في المنزل حيث صار يعيش فيه اكثر من عائلة ولكل منها نمط في التربية والسلوك وسيتعلم أشياء لا نرغبها ولا تليق بنا ... ترى هل قصرنا في تحصينه من العالم الخارجي - أي خارج أسرتنا - .
ربما تعرض أحدنا لمثل هذه المواقف كأن يتفوه أبننا بكلمات غير مسموح بها وخارجة عن الآداب كالشتائم والعبارات غير اللائقة .
فظاهرة الطفل « طويل اللسان » ظاهرة غير مرغوب بها وقد نراها في مجتمعنا نتيجة التنشئة الاجتماعية والتربية السلوكية التي تلقاها ضمن أسرته و محيطه الاجتماعي ويحلو للبعض أن يلهو مع طفله ويداعبه ويلاعبه وهذا كله خير وفائدته كبيرة على الطفل ... أما الغريب والمدهش والمثير حقاً أن يصل ببعضهم عن طريق هذا اللهو أن يداعبه ببعض الشتائم بفرح وسعادة دون شعور بأدنى مسؤولية أو رادع .
ولا يدرك هذا الأب أنه وضع ابنه في بداية طريق الخطأ .... الدرب الخالي من اللباقة والأدب والتعامل مع الآخرين ... الطريق المحفوف بالمخاطر السلوكية لتنتهي به إلى طريق لا نهاية لها من الانحراف والخطيئة والفشل.
البعض يعزو سبب مشكلتهم مع ابنهم في طريقة التربية المتبعة فالأم تريد هذا الأمر أو السلوك التربوي أو الاتجاه الملائم والأب يرفضه , أي عدم الاتفاق في السلوك التربوي بين الأب والأم , وعائلة أخرى تشكو تصرف ابنها هذا بعدم الاستقرار والعيش مع عائلات أخرى بنفس البيت نتيجة ظروف معيشة قاهرة تجعلهم لا يسيطرون على أطفالهم نتيجة اختلاطهم مع بعض مع تصرفات سلوكية متنافرة تجعل الطفل يتلقى عادات وأساليب وأحياناً كلاماً غير لائق يتبناه ويتعلمه ثم يتلفظ به , تقول إحدى الأمهات : أنا أعيش مع أهل زوجي في البيت نفسه والجميع يتدخل في تربية طفلنا فلا نستطيع السيطرة عليه بسبب الدلال و الغنج اللذين يتلقاهما من الجميع ,وأسوأ ما تعلمه هو الشتائم بسبب المشاجرات .
ويقر البعض الآخر بعجزهم عن منع أطفالهم تعلم الشتائم من خارج البيت وخاصة من بعض الكبار الذين لا يخجلون عن التلفظ بها في الشارع وأمام الناس دون رادع أو مراعاة للآداب العامة . فالمحاولات تذهب هباءً منثورا فهو يتعلم الشتائم مثلاً من الأصدقاء الذين يلعب معهم فتتسلل الكلمات البذيئة إلى أذنيه من الشارع وأحياناً من المدرسة ألفاظاً قد لا تقتصر على التلاميذ , إذ نرى البعض ـ للأسف ـ من المعلمين يتلفظ ببعضها أمام التلاميذ عند غضبهم وقد يصل بهم الأمر إلى الضرب .
ونتيجةً لظروف البعض القاهرة تتزوج إحداهن من الآخر دون دراسة أخلاقه وطريقة تعامله فالطفل هنا سيتعلم من أبويه كل ما يصدر عنهما فكيف إذا كان الأب لا يراعي أقل أدبيات السلوك والتربية حتى أنه يتجرأ على تعليم طفله هذه الشتائم فيوجهها لأخوته والأب يضحك من دون مبالاة .
وقد حدد علماء النفس عدداً من الأسباب التي تدفع الأطفال إلى تبادل الشتائم و الكلام غير اللائق منها جذب الاهتمام والانتباه و التقليد , فالطفل في أعوامه الأولى يحاول جذب انتباه الآخرين بشتى الوسائل و من بينها ترديد ألفاظ غير لائقة كأن يقول لشقيقه مثلاً : « يا غبي « حتى يستفزه و يلفت انتباه أبويه فعند جلوسه على مائدة الطعام يجلس دون غسل يديه أو يقوم بضرب أو شتم من يقابلهم معبراً عن حقه بتكوين شخصيته بحسب نظره بعيداً عن سلطة أبويه محاولاً أن يثور لمجرد إثبات الذات و استقلاله عن أبويه و بعد أن يفعل ذلك يعود إلى طبيعته و في الحي أو المدرسة يتعلم من بعض أقرانه بعضاً من الشتائم فيأخذ بترديدها ثم يستعملها في المنزل ليرى ردود أفعال عائلته كنوع من التجربة , و ينبه هؤلاء العلماء إلى أن الطفل يتعلم من سلوك الكبار عبر تقليدهم في الكلام والأفعال والتصرفات .
فلننتبه إلى حركاتنا و تصرفاتنا و كلامنا فالطفل لا يولد بالفطرة هكذا و إنما يكتسب ذلك من المحيط و الأهل هم الدائرة الأولى لهذا التقليد .
و يكمن الحل في هذه الدائرة الهامة لهذا الطفل و هي الأسرة فمن المهم التزام الآباء بألفاظهم أمام أطفالهم فهم المعلم الأول والقدوة الصالحة للطفل .
و دق علماء النفس ناقوس الخطر عند تلفظ الآباء أو مبادرتهم إلى الضحك عندما يتفوه الطفل بالسباب و الكلمات الغريبة فهذا الضحك هو تشجيع و حافز لهم على إعادة تلك الكلمات و ما المانع من التأنيب و العقاب إن تطلب الأمر حتى لا يكرر ذلك و مراقبته في الحي و الشارع و معرفة اصدقائه و رفاقه و أولاد الجيران...... و العقاب يمكن أن يكون بالحرمان من أشياء يحبها و عدم التكلم معه إلا للضرورة و حتى إن لم تنفع تلك الأساليب و زاد الأمر عن حده يمكن اللجوء للضرب أو عرضه على اختصاصي نفسي لتحديد حالته و طريقة علاجه.