وآلاف النساء السوريات اغتصبن في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان.. وملايين السوريين هدمت منازلهم ودمرت ممتلكاتهم ،ونزفت دماؤهم ولم يسأل من يسمون أنفسهم أصدقاء سوريا ..من أنتج كل هذا الخراب والدمار والموت ..لعبة القاتل .. استمرار في القتل ، والتغني بالحزن على القتلى ..
في التاريخ ، مجازر كثيرة أصابت شعوبا بوجودها الجسدي، والحضاري، والثقافي، والسياسي ، ولكن ماتتعرض له سوريا هو اكبر من أي مجزرة حدثت من قبل، وأخطر من محاولات أي إفناء بشري وثقافي وحضاري، وتراثي ، لأن مايجري يستهدف وجودا كاملا للإنسان السوري، بكل مكوناته الحضارية والثقافية والقومية والتاريخية ,,بطرق وحشية، تمارسها جهات أكثر عديدا، وهمجية ، وتخطيطا ، وتمويلا، وتضليلا ، وتنوعا في السلاح والتفوق التكنولوجي، في تاريخ المجازر عبر التاريخ ..رافعة صرخاتها الدموية باسم الدين، والطائفة، والمذهب..والديمقراطية ..وليس في تلك الصرخات العالية، إلا ما يستأصل العقل قبل الجسد.
كل شيء في الوطن السوري ينزف دما .. دماء السوريين النازفة بفعل هذا الإجرام، يغور في عميق التراب السوري .. وفي عميق الروح السورية، والحياة السورية، ليتشكل مشهد الدم في مشهد هو أكثر المشاهد ترويعا .. وليس ثمة وصف يمكنه الإحاطة بهول مايحصل .. ولا يمكن لعين، ان تحيط باتساع المجزرة على امتداد الجغرافيا السورية ..
إن أي صمت، أو سكوت، أو تجاهل، على الصعيد الشخصي والعربي والدولي لهول تلك المجزرة، هو عهر سياسي وأخلاقي وثقافي، وللأسف مازال بعض من أكل وشرب من خير هذا الوطن، ونهش من لحم أكتافه يقف في صفوف المتفرجين .. وفي صفوف المغذين لثقافة القتل الطائفي والمذهبي والوطني.
أعرف أناسا كانوا ذات يوم في الصفوف المتقدمة في الوطن .. اكلوا الوطن وشربوه .. هم اليوم يتفرجون على مايحدث ولا تهتز فيهم هزة ضمير، وربما يبحثون عن ممحاة تستطيع أن تمحو تاريخهم الماضي في الحياة السورية، من اجل ألا يسألهم أحد عن هذا التاريخ، وليمارسوا نفاقا جديدا على ساحة الأحداث.
إن الدماء النازفة لاتعتصرها أجساد وأرواح فئة، أو طائفة، او مذهب، أوعرق .. على امتداد الجغرافيا السورية ، فالمجزرة طوفان وحشي، راح يغمر كل شيء ، حتى تلك الشمس التي كانت تطلع كل صباح على مدينة زنوبيا رمز الوجود القومي والسياسي والنضالي للعرب في وجه الغزاة والغاصبين .. اصابتها المجزرة، وتناثرت اشلاء تدمر في رمال كانت ذات يوم تنبت التاريخ .
في المجزرة السورية حاضر يوقظ الماضي.. ويستحضره إلى الذاكرة ..
قبل أن يأتي الصهاينة إلى فلسطين بعقود.. كانت الوهابية التي تناسلت أفكارها من التلمود الصهيوني .. تمارس في مدن الحجاز، وشعب الحجاز، ماتمارسه اليوم في سوريا وليبيا، وفي اليمن .. لم تترك صنفا من صنوف العهر الدموي والأخلاقي والتاريخي إلاومارسته، وأصابت بهذا العهر البشر والأضرحة، والمقامات، وكانت على بعد خطوات من تدمير قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. مافعلته الصهيونية وما تفعله الآن هو نسخة من الأفعال التي تفعلها الوهابية .. الفرق بينهما أن الصهيونية تمارس مجازرها باسم وطن قومي لليهود .. وما تمارسه الوهابية باسم تدمير التاريخ العربي والإسلامي، للوصول إلى عالم ينفتح أمام الصهيونية لتقول إنها الشرق كله .. فهي التاريخ ، لأن التاريخ يبدأ من صهيون، وهذا الانجاز الصهيوني كان على يد ثلاث جهات: الوهابية ، والإخوان ، والعثمانية .
هذا التدمير الذي تمارسه تلك الجهات لابد أن تنطفئ ناره .. وتنهض من عميق الأرض السورية، الروح السورية مرة أخرى .. ولكن ماهو مهم .. ومهم جدا .. على السوريين .. وكل الجهات السورية .. أن تزرع في عقولها وذاكرتها الحالية، والقادمة، وما بعد القادمة، وإلى نهاية التاريخ هول هذه المجزرة، وقذارة، وإجرام الجهات التي مارستها ، وأن تكون تلك الذاكرة منهجا في حياتنا تمارسه المدرسة، والجامعة، والأسرة، والمؤسسات الثقافية، والدينية، والاجتماعية، إلى نهاية التاريخ.