لقد اهتم العلم بحياة الإنسان، حاصر إلى حد ما أسباب الإصابة بالمرض.. ولكنه من جهة أخرى يستنبط وسائل، تدمر الإنسان وتحرق قيمه وتراثه الحضاري..وما دمنا نتكلم عن التطور العلمي، في سبيل رفاه الإنسان وسعادته، دعنا نهتم بهذا الجانب دون أن نأخذ الجانب السلبي للعلم، مع أن آفاقه الهائلة في إمكانات تدمير حضارة الإنسان وتراثه، أكبر بكثير من أن يتصورها العقل..
وفي زراعة الأعضاء وصل الإنسان إلى النجاح الهائل بفضل التطور العلمي..إن زراعة الكلى والعيون والجلد والشعر والأظافر.. وحتى القلب.. أصبحت تطبق بشكل ناجح في العيادات الطبية الجراحية المتطورة..
وقد دفعت هذه العمليات الناجحة في زراعة الأعضاء تجار الدم في بلدان كثيرة في العالم للمتاجرة بأعضاء الإنسان.. وأصبحت هذه التجارة مصدراً هاماً، لدخول مرتفعة لتجار الدم..
إنه موضوع خطير.. هام جداً، ارتكبت في سبيله الجرائم، وقتلت الضحايا البريئة.. من أجل أعضاء سليمة في الجسم.. تباع لأثرياء يستبدلون بها أعضاءهم التالفة ؟
لاشك أن تلوث البيئة يشكل خطراً كبيراً على الحياة البشرية، ورغم الأبحاث والدراسات المستفيضة التي تؤكد هذا الخطر وتحذّر منه، فمازالت البشرية مندفعة في سباق مع الزمن لضرب معالم الحياة على هذا الكوكب بالتصنيع الثقيل والمفاعلات النووية التي أصبحت حاجة لابد منها لكل دولة تسعى لتطوير حياة شعبها..
إنه لهاث مجنون لضرب التراث الإنساني بتخريب الغلاف الجوي حامي الحياة على هذه الأرض، سواء بفتح فجوات في غلاف الأوزون الرقيق، الذي يحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الفتاكة..
أو بتلويث الهواء بالأبخرة والغازات والغبار الصناعي، الذي ينثر كميات كبيرة من الملوثات التي تفتك بالجسم البشري شيئاً فشيئاً..
إضافة لتلوث المياه، بالنفايات السائلة والصلبة والنفايات التي تفرزها المصانع، بما فيها من سموم قاتلة للحياة بأنواعها..
ثم التلوث الإشعاعي من المفاعلات، وتسرب المواد السامة من غازية وسائلة من المصانع الكيماوية، لتحدث كوارث تؤدي بعشرات ألوف البشر..
الإنسان يلهث بجنون لضرب معالم حضارته الإنسانية، بالاعتماد على تطور علمي مبني على قتل الحياة.. تطور نتج عن حضارة بلا أخلاق تحوّل الإنسان إلى رقم، وتسحق نأمة الخير فيه..ويقتل التلوّث بالنفايات البلاستيكية فقط، مائة ألف طير بحري سنوياً، إضافة لعشرات الألوف من الحيوانات البحرية كالدلافين والأسماك، حيث تدخل المواد البلاستيكية الملقاة من السفن في أجواف هذه الحيوانات البحرية فتسد جهازها الهضمي وتقتلها..
وكذلك بالنسبة لأحياء البر، حيث يسمم الهواء الملوث الكثير منها، وتفتك الصحراء الزاحفة مع الاسمنت بآلاف مؤلفة منها.. إنه جنون القتل الذي أتى مع تلوّث البيئة بحضارة لم تقم على الأخلاق..
في السنوات الأخيرة، شعر العالم المتمدن بخطر التلوث على البيئة، فبدأ يطلق التحذيرات ويثير الانتباه في كافة الدول إلى مخاطر التلوث وآثاره على الحياة في الأرض ..ورغم اللهاث في مختلف الدول، وراء التصنيع الذي أصبح محوراً هاماً من المحاور الاقتصادية الدالة على التطور، فإن المنظمات البيئية تنتشر بثقلها الكبير أحياناً، في محاولة لكبح جماح انتشار المصانع غير الخاضعة للرقابة..
والرقابة أصبحت من مستلزمات العصر، فبدونها ينفث المصنع السموم ويقتل الحياة في منطقته، ويهدد بتلوث البيئة المحتضرة على الكوكب كله..
ويزداد في العالم الثالث الإقبال على إقامة المصانع، وتشترى آلاتها وأجهزتها من الدول المتطورة، وأحياناً يدخل السماسرة في عمليات الشراء، ويروّجون لآلات قديمة، تشتريها تلك الدول النامية، وتسبب كوارث بيئية.والرقابة البيئية غير محققة إلا بحدودها الدنيا في دول العالم الثالث لأن خطر التلوث بكافة فروعه لم يصل بعد إلى الحدّ الذي يجعل المسؤولين في بعض الدول يشعرون بأهميته. وهكذا تزداد الأمراض والتشوهات الجنينية، والأزمات النفسية الخانقة، وانكسار الأحلام نتيجة الواقع الصعب.. وتنتشر السرطانات بنسب كبيرة في البلدان الملوثة التي لاتخضع مصنعها لرقابة حقيقية، تكمم المداخن، وتمنع السوائل القاتلة من النفاذ إلى الأنهار والمياه الجوفية..
إنه عصر مرعب، فقد فيه الإنسان حسّه بالمسؤولية تجاه الآخرين والتلوث لايهدد بلداً بعينه، إنه يهدد الكوكب برمته بما فيه من أحياء..