وتحضير الاقتصاد والمجتمع السوري لمتطلبات القرن الحادي والعشرين ولمستلزمات الحقبة الجديدة في العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية، التي بدأ يطبعها التنافس الحاد وتحدد معاييرها فروق بين الدول قائمة على السبق المعرفي، والميزة التنافسية والإنتاجية العالية، والقدرة على استخدام التقنيات والعلوم المتطورة والاتصالات الفائقة، اعتماداً على بنية متطورة لتلك الاستخدامات وعلى علاقات عمل جديدة وقوة بشرية عالية المهارات، ومتعددة المعارف ومتمكنة من التعامل الإبداعي مع التقنيات ومع المعلومات ومعالجتها وتحليلها وتركيبها وفق نسق غير مسبوق من الملكات العقلية والتفكير النقدي المنظم والقدرات الإبداعية .
جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها في كلية الدفاع الوطني حول استراتيجية التطوير والتحديث في سورية.
وأكد عطري ان الخطة الحالية تترجم الشعار الذي تبناه الحزب في مؤتمره الأخير( رؤية متجددة وفكر يتسع للجميع) إلى واقع عملي، وذلك وعيا بطبيعة تحديات المرحلة التاريخية الحالية ونمط التطورات الاقتصادية السريعة القادمة ، وإدراكاً بأنه من أجل ضمان موقع فاعل للمجتمع وللاقتصاد السوري في القرن الحادي والعشرين ومن أجل التمكن من تطوير قدر كاف من الإمكانات في الميزات أعلاه، يجب أن تكون الخطة تحوّلية المنحى وأن تؤطر وتشتق أهدافها من خلال رؤية مجتمعية أوسع تقود جميع الجهود الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتستجيب لطموحات المواطنين في مواكبة روح العصر وتحقيق حياة أكثر عدالة ورفاه، وأن تعمل على تعبئة الرأي العام وتطوير الوعي الجماعي والفردي وفق إيقاع وطبيعة المرحلة وتوظيف الموارد بما يضمن مقابلة التحولات المتوقعة والاستعداد الاستباقي لها.
وعليه فإن الخطة الخمسية العاشرة صاغت مقررات وتوصيات المؤتمر القطري العاشر للحزب في مجموعة من التوجهات الرئيسية.
معدل النمو الاقتصادي المقرر وأسس تخصيص الموارد
وعن معدل النمو الاقتصادي قال المهندس عطري أنه تقرر في الخطة الخمسية العاشرة أن يتحقق معدل نمو وسطي سنوي بحدود 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، من أجل خلق فرص عمل بحدود( 1250) ألف فرصة عمل، وخفض نسبة البطالة إلى (8٪)، ونسبة السكان تحت خط الفقر إلى ( 7،12 ٪) ، مع التأكيد على زيادة الإنتاجية والارتفاع بمتسواها، لتعظيم العوائد و الانتفاع من المستوى المحقق من أجل تعزيز التنافسية و توفير الخدمات بمستوى نوعي متميز. و بالرغم من أن نموا اقتصاديا سنويا بمعدل 7٪ خلال سنوات الخطة يعد الحد الأدنى لإنجاز الغايات المرسومة، فقد تم الاعتماد على جملة أسس في تخصيص الموارد و توزيع الاستثمارات على القطاعات لتحقيق النمو المستهدف، و التي كان منها:
- التأكيد على أولوية الاستثمار في القطاعات الواعدة والتي يمكن أن تحقق عوائد سريعة وتؤدي إلى منافع واسعة، مع تشجيع تطوير البنية التحتية لتلبية الاحتياجات الصناعية والإنتاجية ذات المردود العالي.
- التأكيد على دور الصناعة التحويلية في عملية النمو الاقتصادي المستدام وتوفير فرص العمل، وتحسين الميزان التجاري.
- إحداث أثر إيجابي واضح للحد من الفقر، وذلك عن طريق تطوير القطاع الزراعي و اعتباره من القطاعات الرائدة التي يتوجب زيادة إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي، والتي يمكن من خلال ذلك أن تحدث المزيد من فرص العمل الزراعية وغير الزراعية في الريف والبادية.
- التأكيد على ضرورة زيادة الاستثمار في قطاعات التعليم و الصحة و على زيادة التخصيصات لتنمية الموارد البشرية في جميع القطاعات، إضافة إلى الاستثمار في مجال البحث والتطوير و العلوم والتكنولوجيا.
- الترويج لدخول الاستثمارات الخاصة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة و النقل و التشييد و البناء و الصناعات التحويلية والزراعة و العمل على وضع أنماط متعددة للاستثمار عن طريق الشراكة مع القطاع العام أو مع رأس المال الأجنبي.
- تقديم المزيد من الإصلاحات لتعزيز المناخ الاستثماري لجلب الاستثمار الأجنبي المباشر و تسهيل بيئة الأعمال للقطاع الخاص الوطني.
- وضع معايير للإنفاق العام و إلغاء الاستثمارات غير المنتجة ما يؤدي إلى توظيف الموارد بشكل أفضل، ويتطلب ذلك أيضا إعادة هيكلة منشآت القطاع العام و اعتماد مبدأ التشغيل كوظيفة إنتاجية والقيام بالإصلاح الإداري من أجل تأمين جهاز حكومي قائم على الشفافية و خاضع للمساءلة ويؤدي عمله بصورة كفؤة وفعالة.
ومن المقدر له أن يبلغ معدل نمو رأس المال الثابت نحو (49٪) خلال كامل سنوات الخطة، وستتوزع هذه الاستثمارات (المقدرة) بين القطاعين العام والخاص حيث سيستأثر الأول بنحو ( 53٪) في حين سيسهم الثاني بنحو( 47٪).
أما في ما يتعلق بالإنفاق الاستثماري الحكومي فقد وضعت الخطة مرامي لتوجيهه إلى القطاعات التي تضمن مردودات سريعة و عالية من جانب، وإلى القطاعات ذات المردود الذي يؤثر على الإنتاجية الكلية على المدى البعيد ، من جانب آخر كما عملت الحكومة على تقليص حجم نشاطاتها في القطاعات التي سينشط فيها القطاع الخاص.
مؤشرات أولية حول نتائج تطبيق الخطة
وأكد السيد رئيس مجلس الوزراء أته وبالرغم من الظروف التي سادت المنطقة على المستوى الإقليمي و عملاً بما تضمنته الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من رؤية مستقبلية مزدهرة هدفها الاستراتيجي تنمية تشاركية محورها الوطن والمواطن، وبالرغم من تأثير العديد من العوامل السلبية على الخطط الموضوعة لمختلف الفعاليات الاقتصادية فقد استمرت حركة التطوير والتحديث في كافة المجالات و خاصة في القطاع المالي والتجارة و السياحة والزراعة و الصناعة والعمل وغيرها..
وعملت الحكومة خلال هذه الفترة على :
أولاً- تعميق مبدأ المشاركة في إطار النظام الديمقراطي الشعبي للبلاد، وذلك من خلال تشجيع مشاركة جميع أبناء الوطن في عملية البناء و الإعمار، و كذلك تعزيز دور هيئات المجتمع ومؤسساته من أحزاب ومنظمات شعبية ونقابات مهنية وجمعيات أهلية في مسيرة التطوير والتحديث لبناء سورية الحديثة.
ثانياً - دفع عملية مساهمة القطاعين الخاص والمشترك في تنفيذ خطط التنمية الشاملة وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية في سورية.
ثالثاً - التركيز على التطوير الإداري في أجهزة الدولة ومؤسساتها وصولاً إلى نظام إداري أكثر فعالية وحيوية وحداثة ....
رابعاً : الاهتمام بالسياسة الداخلية وتعميق حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي وترسيخ القيم الاجتماعية الخيرة التي يتمتع بها المواطن من خلال متابعة العمل على:
- تطبيق القوانين والأنظمة بموضوعية وتجرد وإعطاء المثل الأعلى في الانقياد للقانون واحترامه.
- الابتعاد عن المركزية والحد من البيروقراطية وتبسيط الإجراءات بما يسهل على المواطنين إنجاز معاملاتهم.
- الاهتمام بالسلطة القضائية بمايعزز دور القانون ويدعم مسير التطوير والتحديث في سورية باتجاه تحصين السلطة القضائية والتأكيد على استقلاليتها لتؤدي دورها المنشود ويتابع العمل في تعديل القوانين التي أظهرت الحاجة ضرورة لتعديلها مثل قانون إدارة قضايا الدولة وقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية وقانون العقوبات وغيرها من القوانين النافذة ... وإعداد مشاريع قوانين وتشريعات جديدة تتطلبها هذه المرحلة مثل قانون الطب الشرعي ومايستجد من تشريعات أخرى وإنشاء قاعدة معلوماتية لدعم الجهاز القضائي في عمله في إطار نظام معلومات يربط جميع المحاكم والدوائر القضائية في محافظات القطر ويؤمن أرشفة المعلومات من قرارات وأحكام واجتهادات لتكون مرجعاً خلال العمل.
خامساً : متابعة عملية الإصلاح الاقتصادي في مختلف الفروع الاقتصادية سواءً الإنتاجية منها أم الخدمية وتحليل الوضع الراهن لواقع عمل الوزارات ومؤسساتها وفي ذلك نجد أن الخطة الخمسية العاشرة حققت أهدافاً طموحة بالاتجاه المخطط له من حيث:
1- زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي: تشير المعطيات الأولية إلى استمرار متوسط معدل النمو الاقتصادي في حدود معدل 5،3٪ في عام 2008م حيث ازدادت قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2000 من 1151 مليار ل.س في عام 2005م إلى 1211 مليار ل.س في عام 2006م لتصل إلى 1288 مليار ل.س في عام 2007م وإلى 1346 مليار ل.س في عام 2008م . ويتحرك الاتجاه العام لمعدل نمو الناتج حسب ماخطط له باعتماده على العمل ورأس المال وتحسن النوعية الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج ، كذلك مساهمته في احتواء معدلات البطالة التي شهدتها سورية بالفترة السابقة.
2- زيادة حجم الموازنة العامة للدولة بشكل كبير خلال السنوات الماضية حيث ارتفع حجم الموازنة من 460 مليار ل.س في عام 2005م الى 685 مليار ل.س في عام 2009م حيث يلاحظ:
- زيادة حجم الموازنة الاستثمارية خلال الفترة بنسبة 53٪ .
- زيادة حجم الموازنة الجارية خلال الفترة بنسبة 46٪.
- زيادة حجم الموازنة بشقيها الاستثماري والجاري خلال الفترة بنسبة 49٪ .
3- زيادة مساهمة القطاع الخاص: تدل البيانات إلى ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة من 65٪ في عام 2005م لتصل إلى 66٪ في عام 2007م و 63٪ في عام 2008م أما مساهمة القطاع العام فقد تراجعت من 35٪ في عام 2005م إلى 34٪ في عام 2007م.
4- استمر معدل نمو الصادرات بالارتفاع بمستويات كبيرة حيث زادت الصادرات من 242 مليار ل.س عام 2005م لتصل إلى 579مليار ل.س عام 2007م وإلى حدود 676 مليار ليرة سورية في عام 2008م نتيجة لتزايد الانفتاح التجاري على العالم وتطور حركة التبادل التجاري الخارجية بشكل كبير في الأعوام الأخيرة.
5- زيادة معدل نصيب الفرد من الناتج بمعدل 4٪ بين العامين 2005م و2007م أي من 62 ألف ل.س إلى 67 ألف ل.س ومعدل النمو المقرر لنصيب الفرد من الناتج في الخطة 4،3٪ بينما بلغ معدل النمو السكاني 2،4٪ خلال نفس الفترة وقد ترافقت زيادة نصيب الفرد من الناتج مع ارتفاع حصة الفرد الواحد من الاستهلاك الخاص من حوالي 44ألف ل.س عام 2005م إلى 53 ألف ل.س عام 2007م بالأسعار الثابتة وهذا من المؤشرات التي تعكس تطور المستوى المعيشي للمواطن في سورية، كما شهدت حصة العمل من الناتج خلال الأعوام الثلاثة الماضية تقلبات مرتبطة أساساً بكتل الرواتب والأجور في القطاع العام ونظراً لأن معدل نمو الرواتب والأجور في عام 2007م كان منخفضاً مقارنة بعام 2006م حيث قررت الحكومة إجراء تصحيح واسع لهذا الوضع بزيادة بلغت 25٪ عام 2008م.
6- ازداد عدد المصارف الخاصة ليصل إلى 11 مصرفاً مع نهاية عام 2008م ثلاثة منها إسلامية بعد أن بدأت نشاطها في عام 2003م بمصرفين يملك كل منها فرعاً واحداً حيث ازداد عدد فروع ا لمصارف العامة والخاصة من 300 فرع عام 2005م إلى حدود 452 فرعاً لغاية عام 2008م يعود منها 92 فرعاً و3 مكاتب للمصارف الخاصة.
وفي نفس الوقت ارتفعت نسبة مساهمة المصارف الخاصة في الائتمان الإجمالي من 5٪ عام 2005م إلى 13٪ وارتفعت مساهمتها في إجمالي الائتمان المقدم للقطاع الخاص من 4٪ إلى 27٪ خلال نفس الفترة.
7- ازداد عدد شركات التأمين بعد صدور قانون إعادة تنظيم نشاط التأمين الذي سمح بإحداث شركات التأمين الخاصة وتعمل اليوم في السوق السورية عشر شركات تأمين فإلى جانب المؤسسة العامة السورية للتأمين كمؤسسة حكومية وشركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين وهي شركة حكومية سورية - ليبية مشتركة تعمل ثماني شركات تأمين خاصة استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية حتى الآن وقد وفرت مئات فرص العمل للشباب السوري وافتتحت فروعاً لها في كافة المحافظات، يضاف إلى ذلك الترخيص لثلاث شركات تأمين إسلامية.
8- استقر سعر صرف الليرة السورية نتيجة السياسات المتبعة من قبل السلطات النقدية في مجال سعر الصرف وقد أدى إلى الحد من الآثار السلبية للتغييرات في أسعار صرف العملات الرئيسية على الليرة السورية وساهمت بالحد من الآثار والضغوط التضخمية .
9- افتتحت سوق دمشق للأوراق المالية في شهر آذار والتي ستكون خاضعة لمعايير رقابية واضحة وشفافة من خلال هيئة الأسواق والأوراق المالية بحيث تتحقق الأهداف التي تم إنشاء السوق من أجلها والتي يأتي في مقدمتها تحفيز الادخار وتوجيهه نحو أفضل الفرص الاستثمارية الحقيقية.
10- متابعة تشجيع الاستثمار الخاص من خلال تطوير البيئة الجاذبة للاستثمار وإصدار التشريعات الناظمة للحياة الاقتصادية والإجراءات المتخذة المتطورة التي تمثلت في حزمة كبيرة من التشريعات .
ويأتي ذلك في إطار تحقيق الإصلاح المالي والاقتصادي والإداري وتبسيط الإجراءات على الاخوة المواطنين والتحول التدريجي نحو اقتصاد السوق الاجتماعي.
كما تم إصدار العديد من القرارات والبلاغات المتعلقة بتحسين أداء عمل الوزارات والجهات العامة وخاصة في المالية والمصارف - النقد والتسليف - الإدارة المحلية - الاقتصاد والتجارة - النفط والطاقة - البناء والتشييد- الزراعة والري خلال هذه السنوات.
وختم المهندس عطري كلامه بالقول أن عملية التطوير والتحديث عملية دائمة ومستمرة وقد بدأت تعطي نتائجها الايجابية وفق الأهداف المحددة لها مايؤكد سلامة النهج وصحة الرؤية التي تسير عليها سورية بالرغم من الضغوط التي فرضت عليها جراء تمسكها بنهجها الوطني وثوابتها الوطنية والقومية.
اليوم ترون كيف تبدلت الصورة والمواقف حيال سورية فمن كان يعتبر سورية المشكلة أصبح اليوم يعلن أنها جزء أساسي في حل قضايا المنطقة و من كان يدعو إلى عزل سورية نراه اليوم يبادر إلى زيارتها وإرسال الوفد تلو الآخر ومقابلة المسؤولين فيها.
والواقع أن سورية كانت علي الدوام واضحة في مواقفها السياسية وتوجههاتها الإصلاحية وخططها التنموية وهذا أحد أبرز مقومات صمودها وقوتها التي تعززها وتزيدها متانة وصلابة الوحدة الوطنية الملتفة يإيمان راسخ حول رمز هذه الأمة، قائد الوطن المفدى ،قائد عملية التطوير والتحديث السيد الرئيس بشارالأسد.