ولذلك يعتمد الحزب في أداء رسالته على الشعب، ويسعى للاتصال به اتصالا وثيقا، ويعمل على رفع مستواه العقلي والأخلاقي والاقتصادي والصحي، لكي يستطيع الشعور بشخصيته وممارسة حقوقه في الحياة الفردية والقومية.لقد أكد الحزب بما لايدع مجالا للتأويل، أن الحرية شرط أساسي لكي يشعر المواطن بمواطنيته، وأنه مسؤول عن المشاركة الفاعلة في السلطة والقيادة، من خلال إفساح المجال له كي ينتخب ممثليه ويعبر عن رأيه وفق المواءمة بين حقوقه وواجباته، تجاه ذاته وتجاه مجتمعه، حيث يكون الربط عضويا بين الحرية الفردية والحرية الجماعية في إطار المشاركة الجماعية الواعية، انطلاقا من طبيعة الحزب الجماهيرية وسلطته الشعبية.
وإذا كانت الحرية بطبيعتها وأبعادها، ضرورة حتمية لحياة الإنسان واستمراريتها الفاعلة، حيث يحقق إنسانيته بمعناها الحقيقي، فإن توفيرها حق لكل فرد، كما أن ممارستها وفق ضوابط وأهداف محددة واجب عليه ملزم، والإلزام هنا يتضمن المسؤولية، لأن ثمة علاقة جدلية بين الحرية والمسؤولية، فالحرية تولد المسؤولية والمسؤولية توجه الحرية، ويزداد حجم المسؤولية وأهميتها بمقدار ما تتسع مساحة الحرية والمجالات التي تمارس فيها ضمن النظام الاجتماعي العام. وهنا تكون الحرية فعل انتماء وولاء، أي فعل التزام بالممارسة الواعية والمسؤولية.
فالحرية المسؤولة تمكن الفرد من الفهم العميق لذاته والتكيف معها وتوجيهها ، بما يحقق هذه الذات وينميها، وتوفر له المناخ الملائم لتفتح إمكاناته وقدراته، وتهييء له فرص الخلق والإبداع، كما توفر للفرد المناخ المناسب لكي يؤدي دوره عضوا فاعلا في بيئته الاجتماعية، وبما يحقق التكيف الاجتماعي الإيجابي، فيكون قادرا بالتالي على اختيار ممثليه بإرادة موضوعية وهذا ما أشار إليه مضمون البند 1 من المبدأ الثاني في الدستور، والذي ينص على أن حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة، لا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها. فالإنسان الحر هو الإنسان القادر على الأخذ والعطاء بصورة إيجابية وكلما زادت مساحة الحرية لديه ازدادت في المقابل إمكانات العطاء المتبادل بينه وبين الحياة. ولذلك لا يكفي أن تسود الحرية في علاقات بعض جوانب المجتمع وتختفي في بعض الجوانب الأخرى، إنما الحرية الحقيقية تكون عندما يحس بوجودها كل فرد من أفراد المجتمع ويتحرك الجميع بفاعلية في إطارها وفي المجالات الاجتماعية والوطنية كافة.
فالحرية التي تحدث عنها البعث ، بمظاهرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق ذاتية الإنسان وقدرته على التفاعل الإيجابي في مواقعه المختلفة، وذلك من خلال ما تتيح له هذه الحرية من إمكانية تفتيح قدراته وإطلاق طاقاته، ومن خلال التفاعل مع القدرات والإمكانات الأخرى المتوافرة في المجتمع بما يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه.
وهكذا تكون الحرية مسؤولية في بعديها الفردي والاجتماعي من خلال المواءمة والتأثير المتبادل بين حرية الفرد وحرية الجماعة، وتنظيم هذه العلاقة التبادلية بما يسهم في ممارسة الحرية المنظمة التي ينسجم فعلها مع مضمونها، بحسب درجة الوعي بها وبمسؤولية تجسيدها على أرض الواقع، بعيدا عن التعدي والفوضى والتشويه.