تفتح التطلعات التي عبرت عنها الادارة الامريكية الجديدة احتمالات جديدة امام التزام دبلوماسي مباشر وعميق للولايات المتحدة في المنطقة، ان التصريحات التي ادلت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مؤتمر شرم الشيخ بشأن اختيار حكومتها دعم خيار دولتين لشعبين اضافة الى اهتمام الرئيس اوباما منذ اليوم الاول لولايته في ايجاد تسوية سريعة وعادلة لأزمة الشرق الاوسط، لهما مؤشران هامان حول منظور تطور المفاوضات في المستقبل، كما ان ايطاليا واوروبا تدعمان بشكل فاعل هذا المنحى.
في هذا السياق نقر لسورية اتخاذها خطوات هامة الى الامام، معطية بذلك صورة لبلد اكثر انفتاحا على الحوار في منظور الاستقرار التدريجي للمنطقة برمتها.
ان المحادثة التي جرت على هامش مؤتمر شرم الشيخ بمبادرة من وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مع الوزير وليد المعلم لهي دليل اخر على المناخ المختلف الذي بدأنا نستشعره.
لقد لعبت سورية دائماً دوراً حاسماً في الشرق الاوسط وذلك بفضل ثقلها السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تتأصل جذوره في تاريخ المنطقة، والذي من الواجب العمل على تثمينه وتنميته.
بهذا المعنى، تحمل سورية على اكتافها مسؤولية جسيمة: فهي جزء من منظومة يتعين عليها اضفاء مساهمتها الايجابية على الامن والاستقرار فيها، وذلك لمصلحة شعبها وايضاً لجميع شعوب المنطقة.
إني لواثق انه يمكن لمستقبل سورية ومصالحها ان يتحققا عبر اقامة علاقات وثيقة وودية مع اوروبا ومع الغرب بشكل عام، حيث تدعم ايطاليا بقوة اقامة حوار مستمر مع دمشق والتي اعربت بدورها عن استجابتها، باتخاذها منحى الانفتاح السياسي المناسب وبخاصة فيمايتعلق بعلاقاتها مع لبنان.
ينتظر من سورية خطوات هامة وحساسة تتعلق بهذا الافق تحديداً، ان اقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان لأول مرة منذ الاستقلال، وتبادل السفراء يمثلان مؤشراً هاماً في مسيرة تدعيم العلاقات مع الجار والذي يأخذ اهميته في منظور الانتخابات السياسية اللبنانية في حزيران المقبل، كما انه وبعيداً عن الامور الرسمية والرمزية، يتعين بشكل خاص اعادة الثقة والاحترام المتبادلين:إن تطوير العلاقات يمر عبر المبادرات البسيطة واليومية التي تفيد في وضع مجمل العلاقات الثنائية في مستوى سلمي ومفيد للجانبين والذي يجب العمل على تنميته وتعميقه في المجتمعين المدني والسياسي بمستوياتها المختلفة. إن أمن المنطقة ليس بلعبة تفضي إلى نقطة الصفر. بل يجب العمل على تنميته عبر التزام من الجميع. ويمكن متابعته فقط عن طريق السياسة، وعن طريق اقامة حوار مطمئن مع الدول المجاورة.
في هذا السياق، من الضروري أيضاً تقرب سورية من الدول العربية الأخرى، انه تقرب ملح من أجل إزالة التوتر الذي ساد مؤخراً والذي تظهر أهميته على ضوء الأولوية التي يعيرها الرئيس أوباما إلى ملف الشرق الأوسط ومايستتبعه من ضرورة اعطاء الدول العربية مؤشراً على التقاطه بصورة راشدة بتجاوزهم الخلافات الداخلية وعملهم على تسوية عملية لأزمات المنطقة.
وتأمل ايطاليا بالعودة الى المفاوضات - غير المباشرة، بانتظار تلك المباشرة - بين سورية وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم يتضمن حلاً عادلاً للمسائل المعلقة.
لقد أقرت ايطاليا منذ زمن بعيد بأهمية التمتع بعلاقة قوية وشاملة مع سورية. ان زيارتي الى دمشق تبرهن على أن هذه العلاقة مستمرة وهي تزداد عمقاً، وتعد ايطاليا من أوائل الشركاء التجاريين مع سورية، كما أن اهتمام الصناعيين الايطاليين المتزايد بالسوق السورية لهو دليل آخر على ذلك، ان البرنامج الطموح للاصلاحات الاقتصادية الذي أقرته الحكومة السورية مثير للاهتمام ونحن حالياً نقوم بتحليل دقيق لامكانيات التعاون التي تفتح أمام الشركات الايطالية التي تتمتع منذ زمن بعيد بعلاقات تقليدية طابعها الثقة المتبادلة والجدية مع السوق السورية.
لقد أتيت إلى سورية حاملاً معي صداقة قديمة بين الشعبين الايطالي والسوري والتي تعود في جذورها الى آلاف السنين من التاريخ المشترك الخصب والمزدهر، والتي ترتكز على المبادلات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي ازدهرت في البحر المتوسط، ان أعمال ترميم قلعة دمشق التي انجزت في الأيام الأخيرة بمساهمة مالية هامة وبمشاركة الخبراء والفنيين الايطاليين لهي أحد أهم الدلائل على هذه الصداقة.
أعلم أنني سأغادر سورية وأنا واثق من أننا تشاركنا الآمال في مستقبل أفضل من السلام والاستقرار لشعوبنا جميعاً.