ويستبعدوا الأسماء التي لا يحبذونها. هم أحرار فعلاً في رؤية الشعر من الزاوية التي يرغبونها، ولا يجوز اتهامهم بأنهم – حين قاموا بوضع قائمة بالأسماء الشعرية – أهملوا أسماء مهمة، أو أنهم زجوا بأسماء لا تليق بأن يطلق على تجربتها (كتابة بسيطة ومتواضعة) وليس شعراً.
لا يبدو لي أن كلمة (شعر) قد وجدت – إلى الآن – تقييمها الطبيعي، وذلك لأن إطلاق سمة (شاعر أو شاعرة) ليس أمراً صعباً – الآن - بل هو أسهل من إلقاء تحية عابرة. وهكذا، فقد امتلأ المشهد (الشعري) بأسماء لم تحقق الحد الأدنى من الكتابة.
ربما يعترض أحدهم، ويقول: إن من واجب أحدنا أن يؤرخ للحركة الشعرية. وهذا صحيح، ولكن لنقف عند كلمة (الشعرية) وحقيقتها، ومدى تواجدها في كتابات الكثيرين. وإذا حاولنا أن نقرأ الأسماء المطروحة في المختارات المتعددة (وبعضها يؤكد على مدى تأثير الأسماء المختارة في المشهد الشعري أو المشهد الأدبي عموماً) التي تصدر، لوجدنا أن هناك أسماء أوصلتها الصدفة وغيرها إلى القائمة، وليس لديها ما تقوله نثراً عادياً، وليس شعراً.
هذا ليس تهجماً على أحد، وعلى العكس تماماً، إنه توصيف لما يجري، ولما يجب أن يعاد النظر فيه، وذلك احتراماً للشعر، ذلك الجنس الذي يغير العالم.
قال فيكو يوماً: «لقد عرّف هوميروس الشعر بأنه معرفة الخير والشر، أي التنبؤ.. من هنا فإن الربوبية الشعرية كانت في البدء بحق علم نبوءة بواسطة العلامات، والتي اشتق اسمها من أورانوس، أي السماء، ترمز إلى (التي تتأمل السموات)، حيث من هناك تلتقط العلامات..».
الشعر هو إعجاز تخريبي للعالم، وهو نفق التنفس الوحيد، ولولاه لاختنقنا جميعاً. وكما يقول مارلو، فإن الشاعر «مسكون بصوت يجب على الكلمات أن تتناغم معه»، وليس عليه أن يلوي عنق الكلمات، ويرصفها في عبارة وبشكل جزافي، ثم يطلب من الآخرين أن يطلقوا عليه لقب (شاعر).
فتشوا عن الشعر، أو لأقل: لا داعي لذلك، سيجدنا الشعر أينما كنا، وسيقتحم أبواب بيوتنا، وسيخرب أيضاً عزلتنا، ويجبرنا على سماعه، ومن ثم سيجبرنا على الصراخ بفرح طفل صغير: هذا هو الشعر.. هذا هو الشعر.