وأثبتت السنوات التالية درجة ابتعاده عن الحقيقة، وعندما أقول إنه صراع كاذب وزائف فلأنه كذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها وأكثرها وضوحاً هو عدم تحقق نبوءات وتقولات - هنتنغتون - بتحالف الحضارتين الإسلامية والصينية وعدائهما للغرب في طبعة مبالغ فيها جداً من سيناريو حرب باردة.
فقد آل الأمر إلى اهتمام الصين بمصالحها وانحيازها إلى أميركا نظراً للمصالح الاقتصادية المشتركة بين الجانبين، وأؤكد أيضاً أنه صراع مختلف لأنه أسيء استخدامه وتم توظيفه في غير مكانه الأكاديمي الذي ظهر إطاره في بداية الأمر.
إن نظرية صراع الحضارات الفاشلة قد ساعدت في تحقيق أهداف بعض الأطراف الأميركية التي آمنت بالفعل بحتمية الصراع والصدام بين الغرب والإسلام، وليس فقط بين الدول منفردة كما هو عليه الحال في الصراعات العالمية. والسبب برأيي هو أن أميركا لم تنظر إلى هجمات الحادي عشر من أيلول على أن دولة بعينها قامت بها، بل اعتبرتها هجوماً قام به مجتمع بكامله يكره الأميركيين لكونهم يتمتعون بحريات وحياة هانئة.
وبهذا المعنى الغريب، لم تفهم الراديكالية الإسلامية على أنها رد فعل قومي أو سياسي، أو نتيجة العداء الذي يستشعره بعض العرب والمسلمين تجاه اسرائيل لاحتلالها أراضيهم واغتصاب حقوقهم ثم خوفهم من التهديد الاستراتيجي الغربي على الموارد الاستراتيجية الملأى بمنطقتهم.
وفي هذا السياق، اعتقد الكثير من الأميركيين، إن لم يكن معظمهم أن الصراع بيننا نحن وبينهم هم الذين يمكن إدراجهم في مجموعة من الدول لافرق بين من يحكمها سواء كانوا مؤيدين لأميركا أم معادين علناً لها ولسياساتها في الشرق الأوسط، لأنه في النهاية كان الجميع يتم تصنيفه كعدو ويجب الحذر منه وأكثر من ذلك يتعين السعي لإخضاعه.
وانطلاقاً من هذا التفكير الثنائي الذي يضعنا مقابلهم، كان لابد أن يتحرك زعماء الغرب ولاسيما أميركا منهم لمواجهة ماسمي بـ «الخطر الإسلامي» وذلك بتغيير بعض الأنظمة وقلب نظامها، ونشر الفوضى وزعزعة استقرار الحكومات المعادية أو بحشد الرأي العام العالمي لفرض عقوبات عليها وتشويه صورتها عالمياً والتعامل مع تلك الدول على أنها فاشلة أو دول مارقة ومهددة بالسقوط بين أيدي القوى الإسلامية المتطرفة المعادية للغرب.
وعندما يتم تضافر جميع هذه العوامل، يستطيع الغرب بسهولة استثمار القضية كلها في صراع الإسلام مع الغرب وهذا يحتم تهيئة الخطط العسكرية لمواجهة التهديد الإسلامي، بينما تلجأ الدول الإسلامية في المعادلة إلى التعامل معه كل مايصدر عن الغرب على أنه حرب مبيتة ضد الإسلام، وبالمقابل فإن هذه الحرب يرجعها البعض أيضاً في العالم الإسلامي إلى تراكمات تاريخية معقدة تعود إلى الحروب الصليبية وماتلاها من استعمار في العصور الحديثة واحتلال الأراضي العربية وتشريد شعبها، وإقامة اسرائيل على هذه الأراضي وغزو قناة السويس عام 1956 وانقلاب إيران العسكري عام 1953، إضافة إلى التدخلات المتكررة في لبنان والحربين على العراق ثم غزو أفغانستان.
لكن الحرب الدينية التي تم الترويج لهاسواء في الغرب أم العالم الإسلامي، تجاهلت القسم الكبير من هذا العالم المسلم الذي يعيش خارج منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والممتد على مساحة واسعة في اندونيسيا وافريقيا والصين، وماليزيا، والذي يعيش مشاكله الخاصة، والبعيد عن النفظ واسرائيل، فقد أخطأ من اعتقد في الغرب والعالم الإسلامي معاً أن الصراع صراع حضارات.