يؤكد أن خلافات الفلسطينيين الشكلية أو المصطنعة ستتواصل في وقت تواصل فيه حكومة اليمين الاسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو الاستيطان ما يدعو إلى سرعة لوحدة وطنية حقيقية، والتمسك بخيار المقاومة، التي تعتبر سلاح الفلسطينيين الوحيد الآن في هذه المرحلة الحساسة من عمر القضية الفلسطينية، بدلاً من استمرار الخلاف، حتى تضيع الأرض ويشرد الشعب الفلسطيني.
لم يعد من وسيلة أخرى سوى التمسك بإنجاز الحوار الوطني الشامل خلال هذه الفترة لإنهاء الانقسام، والانفصال الخطير في الوضع الفلسطيني، وخاصة في ظل مواصلة الحكومة الاسرائيلية للاستيطان السرطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن هدف الوحدة الوطنية الفلسطينية لابد أن يكون هدف كل الغيورين على مسار النضال التحرري الفلسطيني ومصيره، والسعي لتحقيق هذا الهدف ووضعه في مرتبة الأولوية القصوى، فالحركة التحررية لا يمكن أن تنتصر بدون تحقيق شرط الوحدة الوطنية.
فلا بد من التشديد على معالجة قضية الوحدة الوطنيةمن داخل التجربة التاريخية الفلسطينية ، فهذه مسألة مهمة جداً لمن أراد لهذه القضية أن تمر بسلام، فالمجال السياسي الفلسطيني لم يعرف يوماً التجربة التنظيمية الواحدة، الشمولية، لا قبل النكبة ولا بعدها، فالموروث السياسي الفلسطيني يبدو لافظاً لمفهوم الشمولية التنظيمية، متسامحاً مع فكرة الائتلاف العريض، وإلا كيف يتمكن هؤلاء من تحقيق أهدافهم الوطنية التي يعز تحقيقها بغير حد معقول وفاعل من الوحدة الداخلية؟ هذا هو السؤال أو التحدي الحقيقي، الذي يفترض من كل الفلسطينيين على حركة التحرر الفلسطيني بذل الجهد والوقت لإبداع إجابة عنه، ولا يصح في هذا الإطار أن يركن هؤلاء إلى أسهل الإجابات ، تلك التي تقدم نصيحة أبوية أو ارشادية الطابع، قوامها أن على الفلسطينيين أن يتوحدوا تماماً لينتصروا، علماً أن بعض الناصحين لا يخدمون- عن غير قصد وأحياناً عن خبث- هذا الهدف النبيل، حين يبررون مأزق القضية الفلسطينية الممتد بانعدام وحدة القوى الفلسطينية ، ذلك لأن لهذا المأزق، فضلاً عن الهزائم العربية المتوالية في مواجهة التحالف الصهيوني الاستعماري، أسباباً أخرى أكبر وأعمق بكثير من أن تحال إلى وضعية الحركة الفلسطينية برمتها، توحداً أو تشرذماً.
ومن هنا تكمن أهمية تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وإنجاز المصالحة بين كافة الأطراف والأطياف السياسية والحزبية، من أجل خدمة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتعزيز صموده على أرضه، وتمكينه من مواجهة الاحتلال ومخططاته وسياساته التهجيرية والتهويدية لمدينة القدس المحتلة.
إن الشعب الفلسطيني بأكمله يتمنى طي هذه الصفحة السوداء في تاريخه، التي أقحمته وأنهكته ، والذهاب إلى وحدة ائتلافية ورص الصفوف، دون تجاوز أو تداخل، حيث السلطة الواحدة، والقوة الواحدة، والسلاح الواحد، وأن تكون هناك دائماً قناعة راسخة لدى الجميع بأن المصلحة الفلسطينية فوق كل المصالح، ، وليعلم الجميع أن فلسطين ملك الجميع، وفوق الجميع، لإعادة التفاهم والتوافق بين حركتي حماس وفتح لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بدءاً بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية مروراً بإعادة هيكلة منظمة التحرير، بمشاركة جميع فصائل وقوى المقاومة والنضال الوطني الفلسطيني ، وبدون تردد أو تثاقل أو هوادة، وبالأحرى بدون استئناف عملية الشد والتجاذب و المراوحة التي تلحق المزيد من الضرر بالنضال الوطني، وبالتالي تلحق الضرر، وربما الانهيار بالقضية الفلسطينية برمتها، فالكلام أو الرطن المستمر على شاشات الفضائيات أو عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة هو رطن من شأنه تصعيد الأزمة، وزيادة أوجه الخلاف والاختلاف تنوعاً واتساعاً، وجماهير الشعب الفلسطيني والشعوب العربية قد أحبطت بل وسئمت مثل من هذه التجاذبات ، وإغفال للممارسات الاسرائيلية المتمثلة في زيادة وتوسيع عمليات الاستيطان في ضواحي القدس الشرقية وفي الضفة الغربية ، وفي عمليات اجتياح المدن والمخيمات وقتل المدنيين العزل والأطفال والنساء، وفي مطاردة واغتيال قادة وكوادر المقاومة الوطنية، فضلاً عن محرقة غزة الفاشية والحصار العنصري البغيض المفروض على القطاع ، على أمل تجويع أبنائه ودفعهم نحو الهجرة القصرية، فهي تستغل النزاع بين حركتي فتح وحماس ، وتستغل هذا الانقسام العمودي الجغرافي والديموغرافي بين الضفة والقطاع ، وتستغل بسبب كل ذلك ضعف السلطة الفلسطينية لتنفيذ مخططاتها الخبيثة في فلسطين.
كاتب صحفي مصري