تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مملكــــة الرمــــال.. بــــين إضاعــــة الوقـــت وخيبــــة الأمـــل

الثورة
دراسات
الثلاثاء 20-11-2018
حسن حسن

يبدو أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مازالت تؤمن بأن النموذج الأفضل لتحقيق مصالحها في المنطقة العربية, هو زيادة عدد دوله وكياناته عن طريق تقسيم دوله الراهنة.

ففي نسخة جديدة للأفكار الإمبريالية الحديثة, ترى الكاتبة السياسية الأميركية روبين رايت المختصة بشؤون المنطقة والإسلام في تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً,‏

أن «خمس دول في المنطقة يمكن تقسيمها إلى أربع عشرة دولة على خلفية مذهبية واثنيه وقبلية وعشائرية», وتكشف علناً أن «السعودية قابلة للتقسيم على شكل خمس دويلات, وليبيا إلى ثلاث أو أربع, وكذلك سورية والعراق مع المحافظة على ما قسمته بريطانيا في الخليج, لكن هذه التصورات بدأت تصطدم الآن بانتصار سورية والعراق معاً على هذا المشروع وما يقدمه محور المقاومة من تحصين وحماية لسيادة كل دولة على وحدة أراضيها بينما ما تزال مملكة آل سعود وليبيا خصوصاً المرشحتين الرئيستين لهذا التقسيم بسبب خضوعهما للهيمنة والنفوذ الأميركي والغربي.‏

خلال العامين الماضيين على وجود سلمان وابنه محمد في الحكم, بدأت تزداد العناوين السياسية العريضة التي تتحدث عن «انهيار العائلة المالكة والتحولات المقبلة على كيانها السياسي», فقد اختارت المجلة الأميركية الشهيرة «بيزنس انيسايدر» عبارة «العائلة المالكة بدأ ينفد زمنها» واختارت «ميديل ايست آي» عبارة «انهيار السعودية أصبح محتماً» كما اختار الموقع الروسي «سبوتنيك نيوز» عبارة «السلالة الملكية ربما تسقط على غرار سقوط شاه ايران».‏

لقد شكلت مملكة الرمال منذ تأسيسها أداة لسياسات بريطانيا, ومن ثم لوريثتها الولايات المتحدة في المنطقة, ومن ثم أدت دوراً في الحرب الباردة وفي تكريس العولمة الإمبريالية, ذلك من خلال اتفاقية فيصل - كيسنجر عام 1974 التي تعهد فيصل غيها ببيع نفط السعودية فقط بالدولار, ما ساهم في تكريس الدولار كعملة عالمية في لحظة تاريخية كانت فيها الولايات المتحدة ونتيجة الاستنزاف في فيتنام, قد خسرت احتياطاتها من الذهب الذي كان يعطي للدولار قيمته, كما أدت مملكة آل سعود دوراً مهماً عبر إيديولوجيتها الوهابية ومركزها الديني, في الفوضى في أفغانستان, وشكلت صندوقاً أسود لتمويل عمليات إلـ «سي آي أي» القذرة حول العالم, وللتأثير في الانتخابات في أكثر من بلد, ومنع خصوم الولايات المتحدة من الوصول للسلطة, ولولا هذا الدور الاستراتيجي لكان من الصعب تخيل بقاء نظام ينتمي للقرون الوسطى كنظام آل سعود في عالم اليوم, فمثلاً كان التدخل «الإسرائيلي» لضرب الأنظمة التقدمية في المنطقة عام 1967 حاسماً في إعطاء جرعة حياة جديدة للملكة وإنقاذها من المد الناصري الذي كاد يكتسحها بعد أن أحدث انشقاقات في العائلة الحاكمة نفسها وفي الجيش والنخبة المتعلمة.‏

واليوم لدينا من الأدلة ما يؤشر إلى أن مملكة الرمال خسرت أهميتها السابقة لدى الولايات المتحدة أو على الأقل عند قسم من دوائر صنع القرار في واشنطن, والتي تبدو بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض منقسمة ومتصارعة أكثر من أي يوم مضى, بين المتمسكين بمشروع العولمة القديم, وبين الرئيس الجديد الآتي من خارج الطبقة السياسية التقليدية, والذي لا يمثل نفسه فقط, كما يوحي خصومه في الدولة الأميركية العميقة, بل يمثل قوى صاعدة في النخبة الرأسمالية الحاكمة في أميركا لم تعد ترى في العولمة مشروعاً رابحاً, بل ترفع شعارات لأميركا أكثر انعزالية, وصرح ترامب نفسه خلال حملته الانتخابية قائلاً: «إن السعودية بقرة حلوب عندما يجف ضرعها علينا أن نذبحها».‏

إن تراجع أهمية مملكة الرمال في العين الأميركية مرتبط بتراجع أهمية ما جعل لهذه المملكة قيمتها أصلاً, وهو النفط السائل, إذ ثمة اكتشاف استراتيجي في أميركا لم يأخذ حقه من التعريف والتناول الإعلامي, هو اكتشاف تقنية النفط والغاز الصخري, وهو ما نقل الولايات المتحدة من أكبر مستورد للنفط في العالم لتكون بلداً شبه مكتف بمصادر الطاقة, كما أن هناك مؤشرات أخرى إلى قرب أفول عصر النفط السائل التقليدي, منها اكتشاف مصادر جديدة للطاقة عالمياً.‏

لعل المتابع لما قام به الحاكم الفعلي لمملكة الرمال اليوم منذ وصوله لمركز صنع القرار, يظن لوهلة أن ابن سلمان يمارس ما يشبه لعبة الانتحار الذاتي للمملكة, فالرجل شن حرباً على بلد استعصى تاريخياً على الغزاة هو اليمن, ثم أضرم النار داخل مجلس التعاون الخليجي بحصاره لقطر, كما اصطدم مع العائلة المالكة بكل أجنحتها, ومع المؤسسة الوهابية التي شكلت تاريخياً الجناح الموازي لآل سعود في مشروع بناء المملكة, لكنك إن أردت أن تعرف السر, فلا تنظر لابن سلمان نفسه, بل لنصائح المستشار الغربي الذي يقف خلف قراراته.‏

تختلف المقاربة والتمنيات السعودية عن تلك الأميركية فيما يخص اليمن, فالتورط في اليمن واختبار الاستراتيجية الأميركية غير المباشرة لإدارة الصراع والتفاوض مع ايران, وضعا السعودية في مواجهة الغرق احتمالات الغرق أكثر فأكثر في المستنقع اليمني, في ضوء عدم الرغبة الأميركية في توسيع المساهمة في التحالف السعودي, وانتقال أنصار الله والجيش اليمني من الدفاع إلى الهجوم ونقلهم المعركة إلى داخل الأراضي السعودية, الأمر الذي يضع الرياض على الجانب الخاسر من المعركة التي تخوضها, لكن دون القدرة على توفير مخرج آمن لأمراء آل سعود الصغار, الذين يبدون أنهم مستعدون لسفك المزيد من الدماء لإثبات قدرة الجيل الثاني من آل سعود,الأحفاد, على الحكم في مملكة قطع الرؤوس.‏

على الرغم من تغطيتها العدوان السعودي الخليجي الوحشي على اليمن, تدعو الإدارة الأميركية إلى العودة للحل السياسي في اليمن. ويبدو أن هذا الأمر ناتج عن عاملين أساسيين:‏

-التجارب السعودية الماضية في الصدام العسكري البري المباشر مع اليمنيين, فضلاً عن تجارب التاريخ في التورط أو محاولة غزو اليمن.‏

-الاستراتيجية الأميركية لأمن الخليج التي يبدو أنها لم تتغير جذرياً منذ حرب الخليج الأولى عام 1990,إذ لم نلحظ حينذاك إمكانية نشوب صراع بالوكالة مع ايران يحمل طابعاً مذهبياً, لأن العدو آنذاك كان صدام حسين الذي غزا الكويت وهدد السعودية.‏

تشاهد واشنطن ما يجري في اليمن وتدعو إلى الحل السياسي بانتظار تورط الرياض أكثر فأكثر ولجوئها إلى الباب العالي واشنطن لوقف الحرب لا لزيادة التورط في اليمن, فيما لا يزال تقدم أنصار الله والجيش اليمني مستمراً على أرض المعركة داخل اليمن وخارجه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية