وعليه فقد بات من المسلم به أنه غدا سلاحاً موازياً لما تملكه الأمة من كونه أسلحة لكونه مؤثراً في صناعة الرأي العام، ويجب أن يلعب دور المحصن لذواتنا، ولن يكون كذلك مالم يكن حراً منفتحاً مرناً وقابلاً للتطور ومسؤولاً، مع الحفاظ على هويته الوطنية والقومية، وأن يملك تقنيات متقدمة من شأنها أن تستخدم في معارك مفترضة.
واليوم ونحن على أعتاب صياغة قانون إعلام جديد للوطن تصادفنا أسئلة ملحة أهمها: هل سنصل إلى قانون يساند الدولة في مكافحة الفساد؟ وهل صحيح أنه لدينا إعلاميون وليس لدينا إعلام؟ هل نمتلك صحفيين موهوبين؟ وهل لدينا عمال إعلام؟ هل يمكن أن يكون لدينا إعلام فعل وليس رد فعل؟ وماذا عن إطلاق حرية التعبير للصحفي وحمايته؟ هل سيتمكن القانون الجديد أن يضع حداً للانحرافات والتجاوزات؟ وما المطلوب من الصحفي لتحسين صورة الإعلام وأخيراً وليس آخراً هل ستتناول وسائل الإعلام آلية عملها بالتحليل والدراسة؟ الأسئلة كثيرة وكثيرة...بعضها وجدنا لها إجابات عند بعض المعنيين أو المكلفين بصياغة هذا القانون، في الندوة الحوارية التي أقيمت بالمركز الثقافي العربي(أبو رمانة) تحت عنوان: ماذا يريد الناس من الإعلام الجديد وقانونه المنتظر؟ والبعض الآخر سيبقى معلقاً إلى حين صدور القانون الجديد.
شارك في الحوار من على المنصة د. نادية خوست، الكاتبة والباحثة مريم خير بك، أدارت الحوار الإعلامية الزميلة ميساء نعامة.
إعلام الغد
تغير القوانين يعني تغيير الاتجاه وأن تؤسس عليه نتائج روحية وفكرية في حياة الناس العملية وعاداتهم، لذلك أرادت د. نادية في بداية كلامها، ألا نلفت إلى إعلام الأمس بل إلى هذه اللحظة ونحن في منعطف، وتابعت بالقول: سيشعر أشخاص بأنهم ضيعوا سلطتهم المادية والمعنوية، وسيتقدم آخرون باسم الإصلاح والتجديد ولم يؤهلوا بخبرة ولا أثر لهم في الحياة، التغيير ليس احتفالاً بسيطاً، بل هو اجتياز أزمة، وفيه أوجاع، وقد يكون فيه انفلات ويمكن أن نواجه فيه باسم الحرية التفكيك باسم الحقوق القومية، وتقليص دور الدولة الذي تطلبه الليبرالية الجديدة، والخلل بين القطاع العام والخاص في الإعلام أيضاً، وقد تطلب الإذاعات الخاصة البث بلغات الأقليات، وقد تدفع الرغبة في توسيع مشاركة القطاع الخاص في ممارسة الإعلام إلى تخفيض الشروط التي يجب أن تتوافر في من يؤسس محطة أو موقعاً أو صحيفة أو وكالة أنباء، يبيح بالقانون احتكار الخاص التأثير في الرأي العام، وقد تبدو التجارب الموجعة التي عانى منها الإعلاميون الموهوبون مسوغاً لإضعاف الضوابط والمعايير التي لا بد منها لحماية المجتمع، ويوهم الحرص على حصانة الإعلامي أنه فوق القوانين والمجتمع لا في خدمته.
وقد يبدو أن الحرية تعني الاستهانة بالمعتقدات والأديان السماوية والمثل الأخلاقية، أو الترخيص لمحطات الدعوات الدينية، وسنواجه مسألة مصير الصحف التي تمولها الدولة وهل سيستمر الإنفاق عليها من المال العام بالرغم من خسائرها في التوزيع؟إذاً ستواجه العلاقات المؤسسة على البنية القديمة مسائل جديدة ذات نتائج إنسانية، لكن الخطر ألا نستشف نتائج الترخيص لمنشآت إذاعية أو تلفزيونية تبث في المحافظات السورية فتشغلها بمشاكل منطقتها، وتبعدها عن المركزية الضرورية في ظروف سورية، مع أن البديل الممكن هو محطات مركزية تخص هذه المحافظة أو تلك ببعض وسائل البث، فتعرف الوطن كله بمشاكلها وتزيد من التماسك الوطني، وأشارت إلى أنه لا بد من ملاحظة أن ما يلائم الولايات المتحدة التي لا تواجه مشروع التفكيك لا يلائم سورية.
نقاط على الحروف
وبينت د. خوست أن قانون الإعلام الجديد الذي سينظر فيه الإعلاميون والحوار الوطني في نسخته التي أقرتها لجنة صياغة القانون، اعتمد مجموعة من المواد، منها حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة، وهو حق يتيح رقابة الإعلام على المؤسسات، ويكشف للمواطن كيف ينفق المال العام، وقد يحصنها بتلك المراقبة من الفساد، واعتمد إلغاء حبس الإعلامي، وتيسير الترخيص لوسائل الإعلام المتنوعة، ولم يبالغ في غرامات المخالفات، لذلك غدت المعايير المهنية والوطنية ضرورة للإعلاميين كي يكونوا في مستوى مهماتهم في الظروف الجديدة، وأكدت د.خوست على ضرورة تلازم الحرية والمسؤولية كي يبقى الإعلام في مشروعه الوطني والمعرفي، ملازماً مصلحة المجتمع، ويقع في هذا الالتزام احترام الهوية الوطنية والثقافة الوطنية، وتحصين جيل الشباب روحياً وأخلاقياً لأنه سينضج في مرحلة سيكون فيها الفضاء مفتوحاً لوسائل الإعلام الخاصة، وأثرها أكبر من أثر الأحزاب المتنوعة، ولأن الإعلام لن يعبر عن اتجاه فكري وسياسي واحد، لابل على مصالح ومنظومات فكرية متنوعة، مشيرة إلى أنه انتهى زمن الإعلامي الموظف، ولن يكون عمله أن يبلغ الناس ما تريده سلطة أو حزب، بل سيكون عمله في رحاب القضايا العامة وسط منافسة إعلامية، وبالتالي سنواجه غياب المؤهلين لملء هذا الفضاء الواسع، ومخاطر(الممول) الذي يتيح للقطاع الخاص تمويل مشاريع أو مؤسسات إعلامية وثقافية، وعليه فلا بد من ثوابت المسؤولية والمحاسبة، وضبط المخالفات، فالتغيير والإعلامي يؤدي محتوى فكرياً لا يمكن عزله عن مشروعه.
وقد سجلت د. خوست بعض الرؤى تأسيساً على ما سبق ومنها:
- ضرورة التخطيط الإعلامي والثقافي المؤسس على فهم موقع سورية في الصراع العربي الصهيوني ومسؤوليتها القومية.
- حماية المجتمع من تدفق الدعايات والسلع الاستهلاكية يفترض تأكيد وظيفة الإعلام الثقافية والتربوية والمعرفية ويشترط أن يكون الإعلامي مؤهلاً بثقافة عامة واسعة، ويجيد لغته العربية، ولغة أجنبية، وأن يتميز بالنزاهة، وتؤمن له دورات تدريبية.
- يفترض الانتباه إلى أن السوق التجارية الإعلامية لا تلبي حاجة مركز مالي أو شريحة اجتماعية معينة بل تنميها وتوجهها، ولذلك يشترط في الترخيص لوسائل الإعلام الخاصة، الالتزام بالثوابت الوطنية والقومية، وموقع سورية الخاص، والمستوى الثقافي الضروري الذي يحصّن السوريين أخلاقياً وروحياً وقد نص القانون على ذلك.
كما أنه لا بد من تثبيت واجب الإعلام في نشر الوعي البيئي، ومعرفةالتراث الوطني واحترامه، ونشر الوعي الصحي،والتنبيه إلى خطر التجارة بالأعضاء البشرية، ونشر التهذيب الاجتماعي، واحترام المرأة والطفل وضرورة إلغاء مشاهد ضرب المرأة الذي أصبح مألوفاً في المسلسلات السورية.
خريطة إعلامية
بدورها الكاتبة والباحثة مريم خير بك بينت أنه وبسبب ما نمر به من ظروف صعبة في هذه الأيام نصر على أن نوجه جلّ اهتمامنا لتطوير الإعلام في الوطن العربي بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، ولا سيما أننا شهدنا حرباً إعلامية مورست مؤخراً ولا تزال على قطرنا الحبيب الذي لا ذنب له سوى أن أبناءه يريدون العيش بكرامة بعيداً عن كل الممارسات الاستعمارية الهادفة إلى تشكيل كتلتين في العالم:
الأولى: متماسكة قوية تحاول امتلاك كل مسببات بقائها وقوتها كي تمارس استعمارها على الكتلة الأخرى التي يجب أن تكون مفتتة متناحرة، ضعيفة لا تقوى على رد أي ضيم مهما صغر.
ومن هنا وانطلاقاً مما نحن فيه أقول: أي إعلام نريد لوطننا الذي يعيش مخاضاً صعباً؟!
وأي حرية تلك التي نبتغي أن نمارسها لنصل عبرها إلى بر الكرامة والأمانة، وعبر إعلام يبنينا أفراداً ودولة بناءً متماسكاً متيناً، ثم أي ديمقراطية نبغي تجسيدها؟ لا شك بأننا اليوم بأمس الحاجة إلى أعلى درجات الوعي التي من خلالها نستطيع أن نجتاز الأزمة بسلام عبر قوانين مدروسة بكل حيثياتها ونتائجها، ووضع خرائط في جو تعصف فيه رياح الشر بنا، كقطر وكأمة وكمنطقة وضعت لها خرائط التفسيم المفضي في النهاية إلى استغلالنا كثروات بشرية واقتصادية، لذلك كله ولما يشكله الإعلام من خطورة على توجيه الرأي العام المحلي والخارجي أقول: الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام.
من جهتها أكدت مديرة الندوة على الحرية المسؤولة كي لا تتحول الحرية إلى فوضى، لأن الإعلام سلاح ذو حدين، الحد الأول مشرف ويرتقي بالأمم، والثاني مدمر وخير مثال ما نشهده اليوم عبر الإعلام المغرض، أما الحرية المسؤولة فتتلخص بربط أي اتهام بوثيقة تثبت صحته، وألا تحول الإعلام إلى إعلام منفلش أو ما اصطلح على تسميته صحافة صفراء، كما طالبت بمجلس أعلى للثقافة والإعلام وتبعية وزارة الإعلام للسلطة الأولى.
كما شارك الحضور الذي كان لافتاً ومن جميع الشرائح الاجتماعية بمداخلات أغنت الحوار، ومنهم الباحث والمخترع عادل مرعي مهنا الذي أكد أن زمن الخوف ولى نصفه، والقانون الإعلامي الجديد سيذهب بالنصف الثاني، لأن الخوف نحن من صنعناه، الخوف يسيطر على قراءاتنا، ونحن مسؤولون عنه، فالكلمة الحرة كالطلقة الموجهة ضد المفسدين، حرية مسؤولة لا مهزومة، شريطة أن يكون هناك بحاثة وعلماء نفس ومخترعون وطنيون، وعدم إهمال دورهم، وإمكاناتهم التي وصلت أبعد من حدود الوطن وتحدوا بجوائزهم علماء العالم.
FADIAMSR@YAHOO.COM