تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دلالات الألــــوان في العلم الســـوري

استراحة
الجمعة 8-7-2011
محمد قاسم الخليل

اتخذت الأمم والأقوام عبر التاريخ رايات ترمز إليها لتميز نفسها عن غيرها من الأمم والقبائل، وكانوا يحملون الرايات في الحروب لأداء وظيفة حربية لها دلالاتها في المعركة، ويحرصون على بقاء الراية مرتفعة وكان سقوطها يعني الهزيمة، كما يعني تراجعا لغير المناورة الهروب من ساحة القتال.

كانت الأعلام بلون واحد عند بدء استخدامها، ولم يكن العلم أو الراية بألوان متعددة كما هو حال الأعلام في مختلف دول العالم، ومن طريف ما يروى أن الجيوش كانت تصطحب معها علمين الأول أبيض والثاني أسود، فإذا عاد الجيش منتصرا كانوا يرفعون العلم الأبيض، وإذا عادوا منكسرين رفعوا العلم الأسود، ولم أعثر في كتب التاريخ على نص يشير إلى هذا القول، ولكن من الثابت تاريخيا أن الأعلام كانت مختلفة في الدول الإمبراطورية كالرومانية والفارسية، وكذلك الأمر عند القبائل العربية، وفي مقدمتها قريش.‏

ومن الثابت تاريخياً أن راية النبي العربي محمد كانت باللون الأسود، وسميت (العقاب)، وبقيت الراية بهذا اللون في عهد الخلفاء الراشدين، وحملت هذه الراية الجيوش العربية التي توجهت لفتح العراق والشام ومصر.‏

وعندما استولى الأمويون على مقاليد الأمور جعلوا الراية باللون الأبيض، وعندما انقلب عليهم العباسيون عادوا إلى الراية السوداء، ثم رفع الفاطميون الراية الخضراء، كما استخدم الهاشميون في الحجاز اللون الأحمر، وهذه الألوان الأربعة هي ألوان أغلب الأعلام العربية.‏

ويتألف العلم العربي السوري من ثلاثة مستطيلات ونجمتين تحمل الألوان الأربعة الرئيسية المستخدمة في أغلب الأقطار العربية، والمعروفة في الأعلام التي رفعتها الدول المتعاقبة على المنطقة العربية، فالمستطيل الأعلى باللون الأحمر والأوسط باللون الأبيض تتوسطه نجمتان خضراوان، والمستطيل الأسفل باللون الأسود.‏

وهذا العلم هو علم الوحدة السورية - المصرية التي حدثت في شباط عام 1958 واستمرت حتى أيلول 1961، وتمت إعادة اعتماده في عام 1982 للتأكيد على تمسك سورية بالوحدة العربية في وقت تخلى فيه آخرون عن الوحدة والتضامن وانفردوا بخطوات استفاض الحديث عنها في وقتها.‏

وهذه الألوان هي ذات ألوان العلم العربي الذي رفع على بلدية دمشق في الأول تشرين الأول 1918 بعد تحريرها من العثمانيين.‏

ومع أنه لانص في الدستور أو قانون العلم عن رموز ودلالات ألوان العلم الوطني، إلا أن الاجتهادات مستمرة، وكان كل يدلي بما يجول في خاطرة وبما توصل إليه اجتهاده حول دلالات ألوان العلم.‏

فمنهم من يرى أن اللون الأحمر يشير إلى تضحيات الشعب وكفاحه في سبيل الوطن، ويشير اللون الأبيض للعهد الحاضر والأمل ويشير اللون الأسود إلى عهد التخلف والجمود، وترمز النجمتان إلى سورية ومصر إبان الوحدة.‏

بينما يرى بعضهم أن اللون الأبيض لون علم الدولة الأموية واللون الأسود لون علم الدولة العباسية واللون الأخضر لون علم الدولة الفاطمية واللون الأحمر لون الهاشميين، وأن الأحمر هو لون الراية العربية في الأندلس، ومنهم من يرى أن اللون الأحمر رمز للثورة، وأن الأحمر يرمز إلى دماء الشهداء، والأبيض يعبر عن النقاء والصفاء، والأسود يعبر عن معارك العرب وكفاحهم ضد الاستعمار.‏

وإذا عدنا إلى النشيد العربي السوري فسنجد الدلالات الأوضح لألوان العلم، بعيدا عن الاجتهادات والتكهنات.‏

فقد جاء في نص النشيد:‏

رفيـفُ الأماني وخَفـقُ الفؤادْ عـلى عَـلَمٍ ضَمَّ شَـمْلَ البلادْ‏

أما فيهِ منْ كُـلِّ عـينٍ سَـوادْ ومِـن دمِ كـلِّ شَـهيدٍ مِـدادْ‏

ما يعني أن النشيد يشير إلى اللون الأسود برمزية بؤبؤ العيون، وبما تعنيه كلمة سواد في اللغة العربية الفصحى إلى الأرض والشعب، فيقال سواد الشام ويعنون معظم أرضها، ويقال سواد الناس بمعنى أغلب الناس.‏

كما يشير النشيد إلى اللون الأحمر بذكر تضحيات الشهداء (روح الأضاحي)، وإلى الأبيض لون الأمويين والأسود لون العباسيين من خلال ذكرعبد الملك الأموي وهارون الرشيد العباسي، وكما يشير إلى السيادة والبناء ورمزهما الأخضر.‏

ففي نص النشيد:‏

نفـوسٌ أبـاةٌ ومـاضٍ مجيـدْ وروحُ الأضاحي رقيبٌ عَـتيدْ‏

فمِـنّا الوليـدُ ومِـنّا الرّشـيدْ فلـمْ لا نَسُـودُ ولِمْ لا نشـيد‏

ومما ذكر عن دلالات العلم السوري والأعلام العربية أن ألوانها مذكورة في قصيدة للشاعر صفي الدين الحلي ومطلعها:‏

سلي الرماح العوالي عن معالينا واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا‏

والشاهد في القصيدة قوله:‏

بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر ماضينا‏

وعند شرح القصيدة يمكن أن ندرك عدم قصد الشاعر لما يعنيه الناس بعده، فالصنائع هي الأعمال الخيرة، والوقائع هي المعارك والمرابع هي الديار والمواضي هي السيوف المرهفة.‏

ومن العجيب أن الحلي عاش في عصر الهزائم وفر عند هجوم جيوش المغول من الحلة في العراق إلى ماردين وتوفي عام 1349 ميلادية، وهذا الحال يتناقض مع ما جاء في قصيدته من الفخر بالقوة والبأس.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية