|
ظاهرة تشابه (العناوين) في المؤلفات العربية .... لماذا أعاد نزار قباني طباعة (سامبا) ? ثقا فة قد اسموا كتبهم بعناوين تماثل حرفيا عناوين مؤلفات صدرت في الماضي. وهذا التشابه في دراستنا لا علاقة له بأي حال من الاحوال, بظاهرة السرقة الادبية, او هجرة النصوص من اديب الى آخر كما يسميها النقد العربي الحديث. وفيما يلي طائفة من هذه العناوين المتشابهة التي رصدتها في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي, دون ان اراعي التسلسل الزمني. سامبا في عام 1949 اصدر نزار قباني ديوانه الشعري الثالث تحت عنوان (سامبا) واستهلك هذا الديوان في طبعته الاولى 29 صفحة من القطع الصغير .
ومن الغريب ان شاعرنا الكبير لم يستعن, كعادته, بأي فنان ليصمم له غلاف ديوانه الشعري. وبعد ثلاث سنوات اصدر الشاعر الحلبي علي الزيبق ديوانه الشعري الاول تحت عنوان (سامبا) ايضا,
في طبعة انيقة تميزت بغلاف جميل وبطباعة جيدة على ورق فاخر . واستهلك هذا الديوان 30 صفحة من القطع الصغير. ويبدو ان نزار قباني اغتاظ من زميله الشاعر علي الزيبق , فبادر الى اصدار طبعة ثانية من ديوانه ( سامبا ) في عام 1957 وتميزت هذه الطبعة بغلاف متميز من ناحية التصميم والالوان, حيث صمم الغلاف والرسومات الداخلية الموزعة على كامل صفحات الديوان الذي استهلك 53 صفحة الفنان السوري الكبير ادهم اسماعيل. ويبدو ان الشاعر الحلبي الاستاذ علي الزيبق, وهو من مواليد عام 1928 لم يرق له الامر, فأعلن ان ديوانه الثاني سيحمل عنوان ( اساطير نهد) او ( نهر) على حد تعبير الاديب احمد حسن الزيات صاحب مجلة ( الرسالة ) ولا يخفى على القارئ الكريم ان نزار قباني كان قد اصدر في عام 1948 ديوانه الشعري الثاني تحت عنوان ( طفولة نهد) الا ان الشاعر الحلبي الجريئ تراجع مشكوراً عن تهديده , ولم ينفذ ما وعد به القراء, بسبب تدخل اولاد الحلال.. وللحقيقة وللتوثيق الادبي .. فان نزار قباني قد استوحى عنوان ديوان ( سامبا) من قصيدة للشاعر خليل مردم بك , حملت اسم (الرقص) وهي صادرة في دمشق عام 1939 م ضمن كراس استهلك عشر صفحات من القطع الصغير.
المصابيح الزرق في الثلاثينات من القرن الماضي , اصدر الاديب المصري محمود تيمور رواية حملت اسم ( المصابيح الزرق) , وتقع احداث هذه الرواية في اجواء الحرب العالمية الاولى.. وفي عام 1954 اصدر الروائي الكبير حنا مينة روايته الاولى بعنوان ( المصابيح الزرق) ومن المفارقات ان تصدرهذه الرواية في طبعتها الاولى من القاهرة اما احداثها فتدور في بدايات الحرب العالمية الثانية والجدير بالذكر ان التشابه يكمن في العنوان ولاشيء سواه اما الاحداث فهي غير متطابقة نهائياً في الروايتين الشهريتين. ذكريات في عام 1988 اصدر الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري سيرته الذاتية تحت عنوان ( ذكرياتي) . و( هي نموذج فريد من نوعه في كل ما صدر حتى الآن مما يدخل في نطاق المذكرات والذكريات الشخصية). وتقع هذه المذكرات في 584 صفحة. وفي عام 1996 اصدر اللواء المتقاعد امين ابو عساف شهادته عن العصر الذي وجد به تحت عنوان ( ذكرياتي) ومما ورد في مقدمة كتابه الذي استهلك 622 صفحة ما لفظه: (ان الحقائق ملك للتاريخ, وليس من الامانة اخفاؤها .. ونظرا لأنني قد عاصرت احداثا كثيرة وهامة, اذ انتسبت الى الكلية العسكرية عام 1933 في عهد الانتداب الفرنسي, واحلت على التقاعد في اواخر عام 1958 بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر) . باسمة بين الدموع وفي عام 1959 اصدر الدكتور عبد السلام العجيلي, روايته الشهيرة ( باسمه بين الدموع) وهي رواية شائقة استهلكت 332 صفحة من القطع المتوسط, وهي ايضا ذات مدلولات انسانية عميقة التأثير بالوجدان وايحاءات سياسية اسمتدها مؤلفنا الكبير من صميم تجربته الحياتية والنضالية. وكانت المفاجأة حين اصدرت الاديبة السعودية السيدة صفية عبد الحميد عنبر في عام 2001م رواية رومانسية بطلتها طالبة جامعية وحملت هذه الرواية الجديدة التي تقع في 107 صفحات من القطع المتوسط نفس عنوان رواية الدكتور العجيلي امد الله بعمره . أيام معه .. أيام معها وفي عام 1959 اصدرت الاديبة المرموقة السيدة كوليت سهيل الخوري روايتها الشهيرة (ايام معه ) القادمة الينا من بيروت ايام زمان, فأحدثت هذه الرواية الجريئة بمفهوم عصرها, ردود افعال متباينة, بين مؤيد معجب وبين مستنكر ساخط, بل ان صدور هذه الرواية احدث ضجة في الصحف السورية, واللبنانية, والمصرية,غطى على اصداء مهرجان تخليد الشاعر خليل مطران المقام في لبنان . هذه الشهرة المدوية التي حصدتها السيدة كوليت , دفعت بزميلنا الصحافي الكبير جان الكسان الى اصدار دراسة نقدية في كتاب بعنوان ( ايام معها) و
في هذا الكتاب الذي استهلك 48 صفحة من القطع المتوسط , صب جام غضبه وسخطه على الرواية دون وجه حق. وبكلمات قليلة.. فان الاستاذ جان قد اصدر كتابه النقدي في عام 1960 من اجل ان يحصد بدوره الشهرة والنجومية, لاسيما وانه كان في بدايات مسيرته الادبية والصحفية, التي توجت بتكريمه منذ ايام في مهرجان دمشق السينمائي. المثالث والمثاني اما الشاعر اللبناني حليم دموس, فقد تشابه عنوان كتابه الادبي- الشعري الذي حمل اسم ( المثالث والمثاني) الصادر عام 1930م مع كتاب الشاعر صفي الدين الحلي المتوفى عام 1349م وعنوانه ( المثالث والمثاني في المعالي والمعاني) الصادر حديثا عن دار سعد الدين بدمشق. اخيراً.. ومهما يكن الامر .. فان هذه الظاهرة العفوية التي تسترعي ا لانتباه, ارتكبها غفلة وعن حسن نية وصفاء سريرة, عشرات الادباء وغيرهم , نتيجة تسرعهم في اختيار العنوان, او لاعتقادهم بأن احدا قبلهم لم يستعمله او يحضر في ذهنه. وستبقى هذه الظاهرة مستمرة في المؤلفات العربية, ولو بصورة محدودة, في ايامنا هذه , ولا غرابة في ذلك فان عقول البشر ومن بينهم الادباء تتشابه في تأدية المعاني, من اجل خدمة رسالة الأدب والفكر.
|